تحذير سيد المرسلين..
الخوارج: من الكلمات التي كثر تردادها في الآونة الأخيرة، وإطلاقها على بعض الجماعات والتنظيمات بحق وباطل، فكان لا بد من وقفة نتبيَّن بها صفات الخوارج كما وردت في السنة النبوية حتى ننزِّل كل قوم منزلتهم اللائقة بهم حسب قربهم من هذه الأوصاف وبعدهم عنها.
وليس لأحدٍ أن يُدخل من يشاء في الخوارج، أو أن يخرج منهم من يشاء. فمرد هذا الأمر، لما هو ثابت في الشريعة من صفاتهم، وأصولهم، وأخلاقهم. وبالتالي فأيما امرئٍ يتصف بصفاتهم، ويتخلق بأخلاقهم، فهو منهم، وإن لم يسمِّ نفسه من الخوارج، أو زعم بلسانه أنه من أهل السنة والجماعة. وأيما امرئٍ لا يتصف بصفاتهم، ولا يتخلق بأخلاقهم. فهو ليس منهم، وهم ليسوا منه. مهما حاول البعض ـ تشفياً ـ على أن يجعلوه منهم!
ولم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج، فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثاً بسند صحيح أو حسن، وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة، والتباسِ أمرهم على الناس واغترارهم بهم؛ إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى، ولأن مذهبهم ليس قاصراً على الآراء والأفكار، بل يتعدى ذلك إلى ازهاق الأرواح وسفك الدماء.

وهم أول فرقة ظهرت في الإسلام وأولهم خروجاً ذو الخويصرة الذي طعن بقسمة رسول الله صل الله عليه وسلم وشكك بعدله عند تقسيم الغنائم بالجعرانة
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ – رضى الله عنه – وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلاَبٍ وَزَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِيُّ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ – قَالَ – فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ فَقَالُوا أَتُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لأَتَأَلَّفَهُمْ ” فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ . – قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي ” قَالَ ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ – يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ”. متفق عليه
ثم كان ظهورهم وخروجهم بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقتلوه، ثم خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وناظرهم ابن عباس رضي الله عنهما فعاد منهم من عاد بعد الدليل والحُجة، والبقية قاتلهم علي رضي الله عنه يوم النهروان فقضى عليهم وبقي منهم عبد الرحمن بن مُلجم قاتل علي رضي الله عنه والذي قال عند قتله والقصاص منه لا تقتلوني بل قطعوني إرباً واجعلوا آخر ما يٌقطع لساني حتى استمر على ذكر الله.
وقد ارتبط الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في معتقداتهم، وأهم عقائدهم: تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بتخليدهم في النار، ويكفرون عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة، ويقولون بالخروج على الحكام الظالمين والفاسقين، وهم فرق شتى.
ويلقب الخوارج بالحرورية والنواصب والمارقة والشراة والبغاة والمُحَكِّمة، والسبب الذي من أجله سموا خوارج لأنهم خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب ولم يرجعوا معه إلى الكوفة واعتزلوا صفوفه ونزلوا بحروراء في أول أمرهم، وسموا شراة لأنهم قالوا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة، وسموا مارقة، وذلك للحديث النبوي الذي أنباً بأنه سيوجد مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إلا أنهم لا يرضون بهذا اللقب، وسموا محكمة لإنكارهم الحَكَمين (عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري) وقالوا لا حكم إلا لله. ولقد توالت الأحداث بعد ذلك بين علي والذين خرجوا عليه، ومحاولته إقناعهم بالحجة، ولكنهم لم يستجيبوا، ثم قيام الحرب وهزيمتهم وهروبهم إلى سجستان واليمن، وبعثهم من جديد وتكوين فرق كانت لها صولات وجولات من حين لآخر على الحكام والأئمة المسلمين.
ومازال خروجهم مستمراً على حكام المسلمين وجماعتهم وسيبقى خروجهم إلى آخر الزمان حتى يخرج فيهم الدجال كما رواه ابن ماجة عن ابن عمر مرفوعاً وصححه البوصيري
من صفات الخوارج الثابتة في السنة:
1- صغار السن: فغالبيتهم من الشباب السفهاء الّذين تغلب عليهم الخفّة والاستعجال والحماس وقصر النّظر، وضيق الأفق وعدم البصيرة، كما ويقل بينهم وجود الشيوخ والكبار أصحاب البصير والخبرة والتجارب، فعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ قَالَ عَلِيٌّ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ . سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ” سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” متفق عليه:
قوله (حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/287): “وَالْحَدَثُ: هُوَ الصَّغِيرُ السِّنِّ”.
وعندما ناظرهم ابن عباس رضي الله عنه عرّض بهم فقال لهم: “أتيتكم من عند أصحاب النبي ﷺ المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي ﷺ وصهره، يعني علي رضي الله عنه، وعليهم نزل القرآن، يعني على المهاجرين والأنصار، وعلى علي رضي الله عنه وعلى أمثاله، وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد.
ما فيكم لا مهاجري ولا أنصاري، ولا من أهل ما قبل الفتح، ولا من أهل الفتح ما أنتم؟ متى طلعتم؟ ما هو مبلغكم من العلم؟ من أئمتكم؟ من علمائكم[1]؟”.
فالخوارج جمعوا بين حداثة السن، وسفاهة العقل، وحداثة التدين فإذا اجتمع إلى ذلك قلة العلم ماذا ستكون النتيجة؟
2– الطَّيش والسَّفه: فعامة الخوارج ومن يتبنى فكرهم من الشباب الذين تغلب عليهم الخِفَّة والاستعجال والحماس، وقصر النظر والإدراك، مع ضيق الأفق وعدم البصيرة، هذا واضح في عامّة أفراد الجماعات الموغلة في التشدّد كالخوارج من قبل، فيغلب عليهم وعلى من يتبنى فكرهم الخفة والاستعجال، والحماس الغير منضبط، كما جاء في الحديث المتفق عليه: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ)، أي ضعفاء العقول والأحلام: الألباب والعقول، والسَّفه: الخفة والطيش.
قال النووي: “يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّثَبُّتَ وَقُوَّةَ الْبَصِيرَةِ تَكُونُ عِنْدَ كَمَالِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ”، نقله عنه الحافظ في الفتح.
وباختصار يمكن وصفهم بأصحاب العقول الصغيرة الذين لا يفرقون بين المنافع والمضار ولا بين المصالح والمفاسد ولا بين المكاسب والمخاسر وهم اتباع كل ناعق، ولا يميزون بين الصواب والخطأ وهم ومع الأسف الشديد أشبه بأحجار “الشطرنج” التي يحركها اللاعبون كيف ما شاءوا وهم لا يشعرون.
وقد يسمى هذا الصنف من البشر “بالسطحيين” وهم من ينظرون إلى السطح ولا تتجاوز نظرتهم إلى العمق ومعرفتهم الأسباب والدوافع.
3– الغرور والتَّعالي: فالخوارج يُعرفون بالكبر والتعالي على عباد الله، ولديهم إعجاب بأنفسهم وأعمالهم منقطع النظير، لذلك يُكثرون من التفاخر بما قدموه وما فعلوه، وهذا التفاخر بما قاموا به، وهذا مصداقاً لقول المعصوم ﷺ: (إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ، حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) رواه أحمد بسند صحيح.
ويدفعهم غرورهم لادعاء العلم، والتطاول على العلماء، ومواجهة الأحداث الجسام، بلا تجربة ولا رَوية، ولا رجوع لأهل الفقه والرأي.
5– الجرأة على أكابر وعظماء الأمة، والتعالي عليهم: وهذه من أبرز خصال الخوارج، وهذا هو زعيمهم وقدوتهم ورأسهم الأكبر ذو الخويصرة القبيح خُلقا وخَليقة يتجرأ على أشرف الخلق والمرسلين بقوله: اتقِّ الله يا محمد، اعدل يا محمد ما أراك تعدل!!
فيرد ﷺ: ويلَكَ! أولَستُ أحقَّ أهل الأرض أن يتقي الله. فمن يُطيع الله إذا عصيته، فيأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنوني؟!
ويرد ﷺ بقوله أيضا: ويلَكَ! ومن يعدل إذا لم أعدل …؟!
فتأملوا، سيد الخلق ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ لم يسلم من تعاليهم، وتعالمهم. ومن طول لسانهم، ووقاحتهم، وجرأتهم. فما بالكم بمن هم دونه من العباد، أترون أن يسلموا منهم، ومن شرهم، ومن تعاليهم، وسوء ظنهم.؟!
فقد صح الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه كان في صلاة الفجر، فناداه رجل من الخوارج: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] الزمر:65. فأجابه علي: [فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ] الروم:60.
وهذا التعالي، والتطاول، والجرأة على أكابر الأمة وخيارها ـ حتى يروج على العباد ـ يدرجونه في خانة النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. زعموا!
وفي مسند الإمام أحمد، عن زيد بن وهب، قال: قدم علي رضي الله عنه على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة، فقال له: اتق الله يا علي، فإنك ميت! فقال علي رضي الله عنه:” بل مقتول ضربة على هذا تخضب هذه ـ يعني لحيته من رأسه ـ عهد معهود، وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى “، وعاتبه في لباسه، فقال علي:” ما لكم وللباس، هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم
وقوله:” عهد معهود “؛ أي أن النبي ﷺ قد عهد إليه أنه سيُقتَل، وهو أمر لا بد من وقوعه. وقد كان كذلك؛ فقتل رضي الله عنه على يد الخوارج غيلة؛ قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من الخوارج. عليهم من الله ما يستحقون!
وعن أبي حفص، أنه سمع عبد الله بن أبي أوفى وهم يقاتلون الخوارج، وكان غلام له قد لحق بالخوارج من الشق الآخر، فناديناه يا فيروز! يا فيروز! هذا عبد الله بن أبي أوفى، فقال: نِعم الرجل لو هاجر! ـ أي لو هاجر إلى الشِّق الذي فيه الخوارج! ـ قال عبد الله: ما يقول عدو الله؟ فقيل له: يقول نعم الرجل لو هاجر! فقال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله؟! وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول:” طوبى لمن قتلهم وقتلوه
وعن الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على جُرُفِ نهَر، إذا رجل يصلي، وإذا لِجامُ دابته بيده، فجعلت الدابة تُنازعه، وجعل يتبعها ـ قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي ـ، فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ! فلما انصرف الشيخ، قال: إني سمعت قولكم، وإني غزوت مع رسول الله ﷺ ست غزوات، أو سبع غزوات، وثمانيَ، وشَهِدْتُ تَيْسيَره ـ أي كيف كان ييسر على الناس ولا يشدد عليهم ـ وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي، أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها، فيشقُّ عليَّ. البخاري (1153).
هذا صنيعهم الآثم مع كبار الصحابة. مع من كان له سابقة نصرة وجهادٍ مع النبي ﷺ. فكيف هو صنيعهم مع من هم دون الصحابة. مع الأكابر والأخيار ممن جاؤوا بعد الصحابة. وإلى يومنا هذا. فإنهم أشد جرأة وتطاولاً عليهم. فإنهم لا يحترمون أحداً يخالف أهواءهم وجهالاتهم وغلوهم. مهما كان من الأكابر والأخيار، والأئمة الفضلاء. وكان له سابقة جهاد وبلاء في سبيل الله. فلأدنى خلاف لهم معه. يرمونه بمرادفات وأخيات التكفير. من عبارات التأثيم، والتضليل، والتجريم، والخيانة. عياذاً بالله!
وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال:” ليسَ مِن أُمتي مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحَم صَغِيرَنا، ويَعرِف لعالِمنا أي يعرف لعالمنا ما له من حق التوقير، والإجلال والاحترام.
6– الاجتهاد في العبادة: فهم أهل عبادة من صلاة وصيام وقراءة وذكر وبذلٍ وتضحيةٍ، وهذا مما يدعو للاغترار بهم، ولذا جاء البيان النبوي واضحاً في التنبيه على هذه الصفة فيهم: (لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ) رواه مسلم.
وقال: (دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) متفق عليه.
وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم، فكيف بغير الصحابة؟!
ولما لقيهم عبد الله بن عباس قال: “فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثِفَنُ الْإِبِلِ [أي غليظة خشنة]، وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ” رواه عبد الرزاق في المصنف.
قال شيخ الإسلام[2]: “ولهذا يحتاج المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم”.
والخوارج يكثر فيهم الورع على غير فقه، فهم يتورّعون عن اللّمم، ويستحلون الدماء والأعراض وإطلاق الأحكام وهي من أكبر الكبائر، وقد تورّعوا عن دم البعوضة، ولم يتورّعوا من قتلوا الحسين بن علي، وعبد الله بن خباب رضي الله عنهم!!
فعن ابن أبي نعم قال: كنت شاهداً ابن عمر رضي الله عنهما إذْ سأله رجلٌ عن دم البعوضة؟ فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، فقال: انظروا إلى هذا يسألوني عن دم البعوضة وقد قتلوا ابن النبي ﷺ يقول: هما ريحانتي من الدّنيا” “،
لكن هيهات هيهات فصلاح الظاهر دون صلاح الباطن لا يغني من الحق شيئا فهو كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
7- سوء الفهم للقرآن، واتباع المتشابه منه: فهم يكثرون من قراءة القرآن والاستدلال به، لكن دون فقه وعلم، بل يضعون آياته في غير موضعها، ولهذا جاء وصفهم في الأحاديث: (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ)، (يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)، (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ).
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “لَيْسَ حَظّهمْ مِنْ الْقُرْآن إِلَّا مُرُوره عَلَى اللِّسَان، فَلَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ لِيَصِل قُلُوبهمْ, وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوب, بَلْ الْمَطْلُوب: تَعَلُّقه، وَتَدَبُّره بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْب”.
قال ابن حجر: “كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ لِشِدَّةِ اجْتِهَادِهِمْ فِي التِّلَاوَةِ وَالْعِبَادَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ، وَيَسْتَبِدُّونَ بِرَأْيِهِمْ، وَيَتَنَطَّعُونَ فِي الزُّهْدِ وَالْخُشُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ” فتح الباري لابن حجر.
قال الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله في الشريعة: لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل ولرسوله ﷺ، وإن صلوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم، لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين. وقد حذرنا الله عز وجل منهم، وحذرنا النبي ﷺ، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم.
وقال شيخ الإسلام: “وَكَانَتْ الْبِدَعُ الْأُولَى مِثْلُ بِدْعَة الْخَوَارِجِ إنَّمَا هِيَ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ، لَمْ يَقْصِدُوا مُعَارَضَتَهُ، لَكِنْ فَهِمُوا مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ” مجموع الفتاوى.
ولذلك قال فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ” ذكره البخاري تعليقاً.
وقد زاغت قلوب الخوارج فاتبعوا من القرآن ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأوله وابتغاء صرفه عما أنزل إليه، بل إن ايدهم طالت حتى المحكم من آياته فعاثوا فسادا بتأويلها وأضافوا بذلك جهلا إلى جهلهم وعنادا إلى عنادهم وقبحا إلى قبحهم[3].
قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ} آل عمران:7.
قال ابن كثير في التفسير: عن أبي أمامة الباهلي، يُحدث عن النبي ﷺ، في قوله تعالى: [فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ]؛ قال:” هم الخوارج “انتهى
وعن ابن عباس، وذُكر عنده الخوارج، وما يلقون عند قراءة القرآن، فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهة.
قال أبو جعفر الطبري في التفسير (6/198): وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معنىّ بها كل مبتدع في دين الله بدعةً فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض مُتشابه آي القرآن، ثم حاجّ به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آية المحكمات، إرادةً منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبًا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك، كائنًا من كان، وأيّ أصناف المبتدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سَبئيًا، أو حروريًّا، أو قدريًّا، أو جهميًّا، كالذي قال ﷺ: “فإذا رأيتم الذين يجادلون به، فهم الذين عنى الله، فاحذروهم”.
8- الكلام الحسن المنمَّق: فكلامهم حسن جميل، لا ينازع أحد في حلاوته وبلاغته!!، فهم أصحاب منطق وجدل، يدعون لتحكيم الشريعة وأن يكون الحكم لله ومحاربة أهل الردة والكفر، ولكن فعالهم على خلاف ذلك!!.
كما قال عنهم النبي ﷺ: (يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ)[4]، (يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ)[5]، (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ)[6].
فخطاباتهم مبهرة وكلماتهم جميلة معبرة، واساليبهم ساحرة، اما أفعالهم فمخزية مدمرة وشنيعة قبيحة، قتل وتحريق، وبطش وتغريق قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: “أَي يَتَكَلَّمُونَ بِبَعْض الْأَقْوَال الَّتِي هِيَ من خِيَار أَقْوَال النَّاس فِي الظَّاهِر، مثل: إن الحكم إلا لله، ونظائره، كدعائهم إِلَى كتاب الله”.[7]
9– التَّكفير واستباحة الدماء: وهذه هي الصفة الفارقة لهم عن غيرهم؛ التكفير بغير حق واستباحة دماء المخالفين لهم، كما قال النبي ﷺ: عن ذي الخويصرة -أبوهم-: إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ)[8].
فتكون الجبهة مع الكفار المشركين البينيين الواضحين، فيتركونها ويذهبون لقتال المسلمين.
قال: لئن أنا أدركتهم لقتلتهم قتل عاد.
وهذا “مِنْ أَعْظَمِ مَا ذَمَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ الْخَوَارِجَ” مجموع الفتاوى.
وسبب قتلهم لأهل الإسلام: تكفيرهم لهم، قال القرطبي [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 9/84].: قال القرطبي: “وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين استباحوا دمائهم، وتركوا أهل الذمة وقالوا: نفي لهم بذمتهم، وعدلوا عن قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين عن قتال المشركين”.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِلُّونَ مِنْ دِمَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُرْتَدِّينَ ” مجموع الفتاوى.
وقال: “وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا ” مجموع الفتاوى.
والتكفير عند الخوارج له صور كثيرة: كتكفير مرتكب الكبيرة، أو التكفير بما ليس بذنب أصلاً، أو التكفير بالظن والشبهات والأمور المحتملة، أو بالأمور التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد، أو دون التحقق من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ولا يَعذرون بجهل ولا تأويل، ويكفرون بلازم الأقوال ومآلاتها، ويستحلون دماء من يكفرونهم دون قضاء ولا محاكمة ولا استتابة.
ولهذا قال عنهم النبي ﷺ: (يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)، ” فشبه مروقهم من الدّين بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيب الصَّيْد فَيدْخل فِيهِ وَيخرج مِنْهُ من شدَّة سرعَة خُرُوجه لقُوَّة الرَّامِي، لَا يعلق من جَسَد الصَّيْد بِشَيْء”. عمدة القاري
والاستهانة والاستخفاف بحرمات ودماء المسلمين من أبرز علامات الخوارج، ووضع القتل فيهم تحت ذرائع واهية كاذبة، كالتترس، وقصد قتل الكافرين. أو أنهم أرادوا بقتلهم محاربة الكافرين. أو أن من يُقتلون من المسلمين لهم حكم المرتدي. أو من يوالون المرتدين. أو ممن سكتوا على المرتدين. أو ممن ساكنوا وجاورا المرتدين. أو أنهم أرادوا بفعلتهم الانتقام لحرمات المسلمين!. إلى آخر القائمة المشروخة التي ليس لها على أرض الواقع رصيد يُذكَر. ولا في دين الله مستند شرعي معتبر. يبرر إزهاق الأنفس البريئة المعصومة!
وكل من وجد في نفسه ومنهجه غلظة وشدة على المسلمين. واستخفافاً بحرماتهم وحقوقهم. وانشغالاً بهم عن غيرهم له حظ من هذه الصفة الخارجية المشار إليها أعلاه. وهو يسير في الاتجاه المعاكس لما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه الكرام، كما قال تعالى: [ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ]الفتح:29. بينما هؤلاء الغلاة تراهم أشداء غلاظ على المسلمين وأخيارهم. شغلهم الشاغل. تتبع عوراتهم وزلاتهم. والحديث عنهم. والطعن والتجريح بهم. يصرفون ساعة من أعمارهم في مواجهة المشركين. وأياماً وأشهراً وسنينا في مواجهة المسلمين.
وقد كابد أهل الإسلام من الخوارج ما كابدوا من تكفيراً واتهاماً بالردة واستباحة للدم، حتى لما يسلم من شرهم الصحابة الذين هم خير الناس بعد رسول الله ﷺ.
10- اتخاذهم شعارًا يتميزون به عن سائر الناس: ولهم في كل عصر وزمان شعار يتميزون به، وقد يكون هذا الشعار في الراية، أو لون اللباس، أو هيئته، أو غير ذلك.
وقد كان شعارهم في زمن علي بن أبي طالب حلقَ شعر رؤوسهم، كما أخبر عنهم النبي ﷺ بقوله: (سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ). رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 497): ” وَهَذِهِ السِّيمَا سِيمَا أَوَّلِهِمْ كَمَا كَانَ ذُو الثُديَّة؛ لا أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُمْ”.
وقال القرطبي: (سيماهم التحليق) أي: جعلوا ذلك علامةً لهم على رفضهم زينة الدّنيا، وشعارًا ليُعرفوا به.
قلت: وفي عصرنا هذا اتخذوا سمة أخرى على خلاف سمة التحليق إلا وهي إطالة الشعر هربا من الوصف النبوي الشريف لهم، فهربوا من الوصف الظاهر لكنهم لم يفلحوا من الهروب من باقي الأوصاف الأخرى.
11– شرار الخلق والخليقة:
فقد روى مسلم في صحيحه (1067) عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ:: إن بعدى من أمتي، (أو سيكون بعدى من أمتي) قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ.
وقوله: الخلق: البشر. والخليقة: البهائم، وقيل: هما بمعنى واحد، ويراد بهم جميع الخلائق يعني هم شر من الدواب
قال ابن حجر في (فتح الباري: 12/302): ” وَفِيهِ أَنَّ الْخَوَارِجَ شَرُّ الْفِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ “
12- كلاب النار: عن أبي غالب قال: لَمَّا أُتِيَ بِرُءُوسِ الأَزَارِقَةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ، جَاءَ أبو أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ, فَقَالَ: ” كِلَابُ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَؤُلَاءِ شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ , وَخَيْرُ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُلَاءِ ” , قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأْنُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ , إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ , قَالَ: قُلْنَا: أَبِرَأْيِكَ , قُلْتَ: هَؤُلَاءِ كِلَابُ النَّارِ , أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: إِنِّي لَجَرِيءٌ , بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرَ مَرَّةٍ , وَلَا ثِنْتَيْنِ , وَلَا ثَلَاثٍ , قَالَ: فَعَدَّ مِرَارًا. حديث صحيح رواه الترمذي وبن ماجه واحمد واللفظ له
13- الغدر، والاستخفاف بالعهود والأمانات: إذ أن من خصالهم أنهم لا يراعون حرمة ولا ذمه ولا وعدا ولا عهدا. فالغدر خلة من خلالهم، وصفة من صفاتهم، والغدر والنقض يعودان لأصل من أصولهم وهو تكفير من خالفهم وبالتالي ليس لهم عهد ولا ميثاق، والحرب خدعة.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} البقرة:27.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: سألت أبي ـ أي عن المراد من هذه الآية ـ فقال: هم الحرورية؛ يعني الخوارج.
وكان رضي الله عنه يُقسم، ويقول: والله الذي لا إله إلا هو إنهم الحرورية.
ويكفيهم ذما وقبحا ما جاء في الحديث الصحيح عنه النبي ﷺ، أنه قال:” إن الغادر يُنصب له لواءٌ يوم القيامة، فيُقال: هذه غدرة فلان بن فلان” متفق عليه.
فهذه صفات الخوارج كما أخبر النبي ﷺ وأنهم موجودون في كل عصر وزمان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: “وهؤلاء الخوارج ليسوا ذلك المعسكر المخصوص المعروف بالتاريخ بل يخرجون إلى زمن الدجال بل يخرجون إلى زمن الدجال”. [مجموع الفتاوى: (28/496). ختاماً: لقد أطال أئمة المسلمين الحديث عن الخوارج وصفاتهم وأخبارهم في كتب العقائد والملل والنحل بل وكتب التاريخ ومن قراء ما سطروا في كتبهم لن يزداد إلا قيناً بصحة قول من لا ينطق عن الهوى ﷺ: “هم شر الخلق والخليقة”.
كتبه المشرف العام لمنصة إنسان : الشيخ رائد صبري أبو علفة.
يتبع…
[1] [مصنف عبد الرزاق: 18678].
[2] [مجموع الفتاوى: 20/142]
[3] وقد فصلت الخطاب في هذا الباب في كتابي ((مآخذ أهل البدع والضلال في الاستدلال)) فانظره غير مأمور
[4] [أبو داود: 4767، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 3668].
[5] [سنن النسائي الكبرى: 8566]
[6] [رواه البخاري: 3415].
[7] [حاشية السندي على النسائي: 7/100].
[8] [رواه البخاري: 3166، ومسلم: 1064]