حملات التشويه والتضليل..
لم يعد خافيا على أحد أن هنالك حملات إعلامية كبرى تستهدف الإسلام وتشوه صورته، تقوم بها معظم وسائل الإعلام الغربية، مدفوعة بأسباب تاريخية ودينية، مدعومة من منظمات صهيونية ماسونية، وكان من نتائج هذه الحملات أن المسلمين أصبحوا يعانون من تـشكل صورة نمطية مشوهة عنهم لدى الرأي العام العالمي، حيث يوصف المسلمون بأنهم إرهابيون لا يقبلون بـالآخر، وديـنهم الإسلام دين دموي يدعو للعنف ولا يصلح أن يكون دينا للإنسانية في العصر الحديث
ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وجهت الألة الإعلامية الغربية نيرانها إلى الإسلام وأهلة، واستخدمت كل الإمكانيات المتاحة في سبيل ذلك، حتى سخرت الآلة العسكرية بأسطولها البري والجوي والبحري لخدمة هذا الهدف، وقد تبنت معظم وسائل الإعلام الغربية والأنباء العالمية هذه الحملة بدوافع كثيرة، منها ما يتعلق بصراع الحضارات والحروب الصليبية التي كانت تستهدف القدس، وبدوافع صهيوني لتبرير احتلال فلسطين.
حملة تشويه واضحة تشاهدونها في كل فلم أو برنامج أو مسلسل أو مسرح وحتى المشاهد القصيرة، أظهرت حقدا دفينا وعداوة واضحة، حيث قرنت كل عمل إرهابي أو اجرامي بالعرب والمسلمين، وانتشرت بذلك ثقافة الخوف من الإسلام. هذا الدين الذي تم تصويره وتقديمه للرأي العام من قبل الصناعات الإعلامية والثقافية على أنه دين القتل والعنف والتفجير والتدمير والإقصاء والبطش.
وانتقل المشهد التمثيلي لمواجهة التطرف ـ زعموا ـ ليصبح مشهدا واقعيا يمارس على الأرض، وكثرت حملات التفتيش والاعتقالات والمضايقات على العرب والمسلمين الزائرين والمقيمين في العديد من الدول الغربية من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة بسبب وبدون سبب.
وصلت لدرجة الإهانة والتعدي على الحريات الفردية وعلى حقوق الإنسان والنتيجة الحتمية لكل هذا هو انتشار الحقد والعنصرية والكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
وقد أكدت معظم الدراسات والأبحاث العلمية أن وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية منها من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن الإسلام والعرب في مختلف المجالات والمضامين[1].
وفي دراسة قمت بها على محتوى السينما الغربية قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وجدت فرقا كبير وبونا شاسعا في المحتوى والمادة حيث ظهر المسلم في هذه المادة السينمائية قبل هذه الأحداث بالشجاع صاحب الحكمة والعلم والكرم والتسامح وغير ذلك، بينما تحولت هذه الصورة بعد هذه الأحداث وانقلبت رأسا على عقب فظهر المسلم فيها على أنه قاتل عاشق لسفك الدماء، قاتل للنساء، عدواني شرس، خبيث نجس ولا يقبل الآخر .
وهكذا انتشرت صناعة الخوف وتفننت فيها بعض الدول والجهات التي تستهدف كل ما هو عربي ومسلم.
لقد اهتزت صورة الإسلام والعرب في السنوات الأخيرة في الرأي العام الدولي بصورة خطرة جدا، بفعل هذه الآلة الاعلامية، وأسهمت في اتخاذ مواقف معادية وسلبية ضد الشعوب العربية والإسلامية. وكنتيجة لهذه الحملات والتشويه والتضليل الممنهجة أصبح الرأي العام في الدول الغربية معاد ومتخوف من الإسلام والمسلمين والعرب وأصبح ووفق الصور النمطية التي قدمت له يؤمن بصراع الحضارات وصدامها.[2]
والأخطر من هذا فإن بعض قادة الرأي وصناع القرار والساسة وحتى نسبة كبيرة من المثقفين في العديد من الدول العربية انضموا إلى قافلة التهجم على الإسلام واستهدافه وتشويهه. وسخروا وسائلهم الإعلامية وعلى رأسها القنوات الفضائية لهذه الغاية.
وقد ارتكزت هذه الحملات الإعلامية على مرتكزات ضعيفة أساسها الكذب والافتراء والتلفيق بهدف التشويه.
فضلا عن الضعف الكبير والغياب شبه التام للمخرجات الإعلامية والصناعات الثقافية العربية والإسلامية التي تقدم الإسلام للآخر وتسوّق صورة الحضارة الإسلامية والمسلمين على حقيقتها.
في ظل هذا التزييف والتشويه والتغطية السلبية للعرب والمسلمين من قبل الإعلام الغربي نلاحظ أزمة في الإعلام العربي والإسلامي في عملية الرد على هذا التزييف والتشويه وتسويق صورة إيجابية وصورة صحيحة.
فالإعلام العربي لم يحدد إستراتيجية يستطيع من خلالها تقويم هذا الخطأ وتقديم البديل أو البدائل للرأي العام الغربي والدولي. مازالت الصناعات الثقافية العربية ضعيفة جدا لم ترق إلى العالمية ولم تعرف كيف توّظف اللغات العالمية للوصول إلى الآخر.
حملات التشويه وعاقبتها
على الرغم من كثرة الحملات المضللة، وتلك الحروب الإعلامية الشرسة المشوهة لصورة الإسلامِ ورموزهِ الحيَّة، فالله ناصر دينه لا محالة ومتم نوره ولو كره الكافرون،
فهما تأمر المتآمرون، ومهما كاد المنافقون الخائنون وأنفق المنفقون المرجفون لتحقيق هذه الغاية، فسيكون مآلهم إلى خراب وذهاب، وحسرة وندامة قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)
فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، (ثم تكون عليهم حسرة) أي: ندامة؛ حيث لم تجد شيئا؛ لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون، وناصر دينه، ومعلن كلمته، ومظهر دينه على كل دين. فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار، فمن عاش منهم، رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه، ومن قتل منهم أو مات، فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي؛ ولهذا قال: (سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون)[3]
فالعاقبة لهذا الدين، قال الله سبحانه وتعالى:
﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33}﴾. [ التوبة].
وقال الله عزَّ وجل: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {9}﴾ [الصف].
وهنا لطيفة قرآنية بديعة فالتعبير القرآني استخدام الفعل (يطفئ) دون الفعل (يخمد).
قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾.
الإطفاء هو الإخماد، وكلاهما يستعملان في النار، وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور.
ولكن العرب تفرق بين الإطفاء والإخماد بأن:
الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل.[4].
وها هنا إشارة إلى أنه مهما حالوا الكافر إلى ذلك سبيلا فأن الله سيقطع نظامهم وأدبارهم وسوف يبيد خضراءَهم وغَضراءَهم كثيرا كان أم قليلاً.
سواء كان ذلك بشكل مباشر وواضح وصريح أو بشكل غير مباشر اتصف بالخفاء والغموض وفي الآية إشارة صريحة لذلك، فالفرق بين” أن يطفئوا” و” ليطفئوا “. يتضمن هذا المعني الأخير ففي الآية الأولى قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ﴾.
يقصد الكفار إطفاء نور الله تعالى مباشرة، وإرادتهم متوجهة إلى الغاية (الهدف) بشكل مباشر، بعد إعداد الوسائل واتباع الطرق التي من خلالها يمكن الوصول إلى غايتهم بحسب تصورهم، فطلبهم هنا الغاية.
أما في قوله تعالى في الآية الثانية: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا﴾.
يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إطفاء نور الله، فهم يريدون إعداد الوسائل التمهيدية والطرق المناسبة التي تضمن الوصول لغايتهم، والمعنى هنا طلب الوسيلة.[5]
وأخيرا: فإن المتأمل في الآية الكريمة يجد أفعالها قد وردت بصيغة المضارع، وهي على الترتيب: (يريدون)، (يطفئوا)، (يأبى)، (يتم). والفعل بصيغة المضارع يدل على الحال والاستقبال والاستمرار. وفيها إشارة إلى ان كيدهم ومحاربتهم للإسلام باقية مستمرة ما تعاقب الليل والنهار لكن (كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) أي: كلما عقدوا أسبابا يكيدونك بها، وكلما أبرموا أمورا يحاربونك بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم، ويحيق مكرهم السيئ بهم.
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون
كتبه المشرف العام لمنصة إنسان : الشيخ رائد صبري أبو علفة.
[1] انظر التشويه المنهجي للإسلام لمحمد قيراط
[2] انطر التشويه المنهجي للإسلام لمحمد قيراط
[3] تفسير ابن كثير
[4] مفردات ألفاظ القرآن. للأصفهاني كتاب الطاء.
[5] درة التنزيل للإسكافي ص 195)