المعلومات عن الكتاب
الكتاب: أسباب الإرهاب والعنف والتطرف دراسة تحليلية
إعداد: د. أسماء بنت عبد العزيز الحسين
تحميل الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ
❋.
وقال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ
❋.
وقال عليه الصلاة والسلام: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني
❋.
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم
.
[ نقلا عن القرطبي: ط الجامع لأحكام القرآن: ٥ ٢٦٠ ]
المقدمة
نبدأ بذكر الله: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
.
بسم الله الرحمن الرحيم؛ فاتحة كل خير وتمام كل نعمة.
الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين، الحمد لله واضع الموازين ارتضى لنا دين الإسلام ودعا إليه، ودعا إلى تحية السلام ودار السلام، وحث عباده على العدل والإحسان، ونهاهم عن الظلم والاعتداء والطغيان، ووعد عباده المؤمنين المتبعين لنهجه القويم وصراطه المستقيم بالتمكين في الأرض والأمان. جعل من دعوة إبراهيم عليه السلام:… رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا
❋…، وأقر عيون ساكنيه بأمنهم من الخوف وبالأمن والاستقرار لتهدأ النفوس وتقر الأجفان ويهنأ المسلمون بالتوحيد والعبادة للواحد الديان، سبحانه وتعالى له النعمة والفضل والثناء الحسن، والصلاة والسلام الأتمان على إمام الهدى والخير نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فقد وضعنا الله – سبحانه وتعالى – على المحجة البيضاء، من استظل بها نجا، ومن زاغ عنها هلك، وأكمل – سبحانه – علينا دينه وأتم نعمته، والإنسان في دروب الحياة تضطرب أحواله ما بين خير وشر وهداية وضلال، وهو الذي يلقي بنفسه إلى المهالك وإلى دروب العذاب والتهلكة إلا من رحم ربي سواء بضعفه عن ضبط نفسه أو نوازع الشر فيها أو باستسلامه وعدم جهاده لمكائد الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء، أو بما يكتسبه ويتعلمه من وسائل العنف والعدوان والتطرف.
ولا شك أن العنف والعدوان سلوك يظهر في سلوكيات كثير من البشر، ويرجع إلى عوامل ودوافع تحركه، وقد عرف السلوك العدواني والعنف في كل العصور، وكانت أول صور العنف بين ابني آدم – عليه السلام – عندما تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر فقتل الخاسر أخاه الرابح حسدا وظلما، والسلوك العدواني هو ما يقوم فيه المعتدي بإيذاء غيره أو نفسه وغيره معا.
ولفترات التنشئة الأولى في الصغر دور كبير في إكساب وتعليم هذا السلوك، وقد يصبح مميزا لبعضهم في مرحلة الشباب.
وقد يبدأ السلوك التخريبي منذ الصغر في صورة إتلاف الممتلكات، والمقتنيات أو تشويهها تعبيرا عن عدم الاستجابة للمطالب أو الأنانية، ويصبح أكثر خطورة حينما يأخذ صورة سلوك جماعي أو عصبة لتفريغ الطاقة، وحينما يصبح سلوكا مرضيا تنعكس آثاره على المحيطين في الأسرة والمجتمع بل في الدول على مستوى عالمي.
وتتنوع الأسباب المؤدية إلى العنف والإرهاب والتطرف، وقد تتضافر كلها أو أغلبها في الظهور لدى الشخص والتي تمتد آثارها إلى زعزعة النظام المجتمعي والأمان النفسي الذي يعد من أهم الضرورات الإنسانية لدى البشرية جمعاء.
واستشعارا من الباحثة بأهمية معرفة أسباب الإرهاب والعنف والتطرف: النفسية والاجتماعية، والفكرية، وغيرها مجتمعة وبصورة شاملة متعمقة، فقد قامت باختيار هذا الجانب والكتابة فيه، وتتمثل أهمية هذا الإجراء في كون الإرهاب أصبح ظاهرة منتشرة في بلاد العالم كله، تهدد سلامة الجماعات والأفراد وأمنهم، وحيث إن الإرهاب بهذا الشكل وفد من الغرب في أساسه عقب الحرب العالمية الأولى وبعد الثانية وبدءا بالعشرينيات مرورا بالثلاثينيات إلى نهاية الأربعينيات حيث شنت المنظمات اليهودية الرعب الصهيوني في فلسطين عن طريق جماعات إرهابية وفي مقدمتها «الأرقن» وما صاحبها من مجازر «دير ياسين» وغيرها، و«الستيرن» و«الهاجاناه»، ثم تلا قيام دولة إسرائيل سلسلة من الحروب وأعمال العنف بين العرب وإسرائيل زاولت فيها إسرائيل شتى أنواع الرعب والإرهاب، والاعتداء المسلح والقتل الجماعي وما زالت تزاول ذلك ضد العرب إلى يومنا هذا.
والإسلام من سماته الرفق والعدالة والمحبة والأمن والحرية السامية، وهو دين يحارب العنجهية والخروج على الحاكم ما دام قائما بشرع الله تعالى، ويحرم الظلم والبغي والإفساد في الأرض.
ولا شك أن الظروف المحيطة اليوم وظهور حركات العنف والإرهاب في مجتمعاتنا الإسلامية على وجه الخصوص الآمنة بطبعها وبفضل ربها وخالقها والتي تستهجن العنف والغلو والإرهاب اتفاقا مع الشرع القويم يستدعي الاتحاد والتعاون في القضاء عليها والعمل الجاد على اجتثاثها من جذورها كل حسب تخصصه وميدانه.
ومعرفة الأسباب المختلفة وحصرها خطوة مهمة وضرورية للحد من العنف والإرهاب والتطرف والقضاء عليه بإذن الله، وفي هذا استجابة لله القائل عز من قائل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
، وامتثالا لقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
، كما أن الله – تعالى – ينهى عن الاعتداء بقوله: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
.
وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأخص بالشكر رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب على إتاحة الفرصة لي للمشاركة بهذا البحث (بما يتعلق بتوضيح أسباب الإرهاب) وعلى الإسهامات والجهود الطيبة المباركة بإذن الله في تناول وتيسير مثل هذا الأمر.
سائلة المولى سبحانه وتعالى أن يرفع ما بالأمة من بلاء، ويصوب فكر المنحرف ويقوم المعوج، ويحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ويوفقنا لما فيه الخير والفلاح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأسباب الفكرية للإرهاب والعنف والتطرف
الأسباب الفكرية للإرهاب والعنف والتطرف تعود في أغلبها إلى:
١ – معاناة العالم الإسلامي اليوم من انقسامات فكرية حادة، بين تيارات مختلفة. ومرجع هذه المعاناة وما ترتب عنها من مشكلات وانقسامات هو الجهل بالدين والبعد عن التمسك بتوجيهات الإسلام، ومن أبرز التيارات المعاصرة، هي:
أ – تيار علماني: يدعو إلى بناء الحياة على أساس دنيوي وغير مرتبط بالأصول الشرعية ولا بالتقاليد والعادات والموروثات الاجتماعية الأصيلة، هي من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه، عوائق في طريق التقدم والانطلاق نحو الحضارة.
ب – تيار ديني متطرف: يعارض المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري، فهي من وجهة نظرهم ليست إلا فسادا في الأخلاق، وتفككا في الأسر وجمودا في العلاقات الاجتماعية، فهم يرون أن الحضارة تجعل الفرد يعيش لنفسه ملبيا لرغباتها متنكرا للآداب والفضيلة. ولذا فكل جانب يرفض فكر الآخر ويقاومه، وينظر إليه نظرة ريب وشك دون تمحيص وتقويم، ليصل إلى الحق والمبادئ الأساسية فيها، ليقارنها بما عنده من أصول ومبادئ يمكن أن تكون عاملا مشتركا يجمع بينها ويكون فيه الخير لكلا التيارين (الظاهري: ٢٠٠٢، ٦١-٦٢).
وقد حدثت أفعال عنف إرهابي في البلاد العربية والإسلامية تم ربطها بشكل أو بآخر بالغلو والتطرف الديني كما حدث في الجزائر ومصر والبحرين من تفجيرات في السنوات الأخيرة. ولا يغيب عن الذهن في هذا المجال التفجير الإجرامي في العليا بالرياض يوم الاثنين ٢٠ جمادى الآخرة ١٤١٦ هـ الموافق ١٣ / ١١ / ١٩٩٥ م. (والتفجير الذي حدث بمجمع المحيا السكني في شهر رمضان لعام ١٤٢٤ هـ) وتفجير السفارة المصرية في إسلام آباد بباكستان يوم الأحد ٢٦ جمادى الآخرة ١٤١٦ هـ الموافق ١٩ / ١١ / ١٩٩٥ م.
(السلطان: ٢٠٠٣، ٥٧)
٢ – تشويه صورة الإسلام والمسلمين:
إن دين الإسلام هو دين العدالة والكرامة والسماحة والحكمة والوسطية، وهو دين رعاية المصالح ودرء للمفاسد.
إن أفعال الناس المنتسبين إلى الدين، تنسب عادة إلى الدين ذاته، فإذا غلا امرؤ في دينه فشدد على نفسه وعلى الناس، وجار في الحكم على الخلق، نسب الناس ذلك إلى دينه فصار فعله ذريعة للقدح في الدين.
إن الغلو في الدين في العصر الحديث شوه الدين الإسلامي الحنيف، ونفر الناس منه، وفتح الأبواب للطعن فيه، فتجرأ أناس على أفعال وأقوال لم يكونوا ليجرءوا عليها لولا وجود الغلو والغلاة، فسمع الطاعنون في الشريعة.
(اللويحق: ١٩٩٨، ٦٩٣)
ويجدر بالذكر هنا الدراسة الميدانية التي أعدها (البراق: ١٤٠٨ هـ) والتي أجمع معظم أفراد عينة البحث على دور العامل الفكري في تكوين السلوك الإرهابي لجميع المنظمات المتطرفة والإرهابية؛ حيث أشاروا إلى أن الإرهابي شخص يرفض الواقع ويسعى لمحاربة المبادئ والمعتقدات السائدة ويرى أفراد العينة أن أصحاب الفكر السوي لا يمكن أن يلجئوا إلى معالجة قضاياهم عن طريق القتل والتدمير أو إلحاق الضرر بالآخرين مؤكدين أن الفكر السوي هو الذي يعالج قضاياه وفق الطرق الشرعية، وقد أكد أفراد العينة على أن الحماية الفكرية مطلب ضروري في وقاية المجتمعات الإسلامية من التأثر بالتوجهات الفكرية الخطيرة (ص ١٠١).
ونتيجة لكثرة العمليات الإرهابية التي استهدفت المصالح الغربية، في بعض البلاد الإسلامية، فإن الغرب يقف اليوم موقف الحذر من المسلمين؛ بسبب الأعمال الإرهابية العديدة التي استهدفتهم في داخل دولهم وخارجها، ونتيجة لما يصلهم من تهديدات باسم أشخاص يزعمون أنهم مسلمون، يدافعون عن الإسلام هذا الأمر يشير إلى وجود خلل فكري ديني لدى بعض الفئات التي تؤمن الدفاع عن الإسلام والجهاد باسم الدين.
(الظاهري: ٢٠٠٢، ٦٣-٦٤)
٣ – ضآلة الاهتمام بالتفكير الناقد والحوار البناء من قبل المربين والمؤسسات التربوية والإعلامية:
إن الاهتمام بالعقول وإثراءها بالمفيد واستثارتها للتفكير والتحقق يتطلب التناول العلمي في النظر إلى الأمور وإعطاء أهمية للحوار الفكري مع الآخر، ومن عيوب التربية والتعليم في المدارس أسلوب التلقين وحشو مواد الدراسة فيها يماثل ما عليه الحال في وسائل الإعلام بما يجمد الفكر ويسطحه في عديد من الدول العربية الإسلامية على وجه الخصوص أو بأفكار وبرامج تدعم الإرهاب والعنف بطرق مباشرة أو وقتية غير مباشرة.
٤ – سوء الفهم والتفسير الخاطئ لأمور الشرع:
وهذا الأمر الذي يتعرض له بعض الناس يدعمه وجود من يدعون العلم والفقه في الدين وينصبون أنفسهم أئمة ويتساهلون في أمور الحلال والحرام ويأخذون من الأمور ظاهرها أو وفق أهوائهم الشخصية، دون الرجوع إلى العلماء الأكفاء وأهل العلم الشرعي الصحيح.
وربما كان ديدنهم الاستعجال، وعدم الجمع بين الأدلة، أوعدم فهم مقاصد الشريعة.
الأسباب الاقتصادية للإرهاب والعنف والتطرف
يعد الاقتصاد بتقلباته وما يلحقها من تغيرات مؤثرة في المجتمعات الفقيرة من الأسباب الخطيرة المحركة لموجات الإرهاب في العالم، وتبشر العولمة التي قد تجتاح العالم في الأعوام المقبلة بمزيد من الأزمات الاقتصادية للدول والمجتمعات المطحونة، مما يزيد الفجوة بين الدول الغنية، والدول الفقيرة، ويتوقع بعض المفكرين والمحللين الاجتماعيين زيادة المكانة والأهمية والنفوذ لرجال المال والتجارة، وبالمقابل انحسار نفوذ ودور أهل السياسة، ويتوقع أحد أولئك المفكرين وليام نوك مؤلف كتاب «عالم جديد متغير» أن يكون الإرهاب رد الفعل المقابل للمتغيرات الاقتصادية الخطيرة، تعبيرا عن سخط المجتمعات والفئات المطحونة، ويتوقع أن يستغل الإرهابيون التقدم العلمي والتقني في القرن القادم، في تحويل الأموال والأفكار والتعليمات بين مواقعهم، من أقصى الأرض إلى أدناها، بواسطة الأنظمة المصرفية العالمية وشبكات الإنترنت… ويأتي هذا في خضم انتشار المصالح الشخصية وفرض سيطرة التجارة والمال وغياب القيم والأخلاق التي تحكم المجتمعات.
(الظاهري: ٢٠٠٢، ٥٩-٦٠)
ويمكن حصر أهم الأسباب الاقتصادية للإرهاب والعنف والتطرف على المستوى العالمي في:
١ – عدم القدرة على إقامة تعاون دولي جدي من قبل الأمم المتحدة، وحسم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للدول.
ويكون ذلك عن طريق النمو، والتقليل من الهوة السحيقة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وتحقيق مستوى حياة أفضل للغالبية العظمى من الشعوب بكرامة وشرف.
٢ – عدم قدرة المنظمة على إيجاد تنظيم عادل ودائم لعدد من المشكلات الدولية. مثل اغتصاب الأراضي والنهب والاضطهاد وهي حالة كثير من الشعوب.
(الظاهري: ٢٠٠٢، ٥٧-٥٨)
الأسباب السياسية للإرهاب والعنف والتطرف
شيوع الإرهاب الدولي لا يخلو من أسباب أو دوافع سياسية يتمثل أهمها في الآتي:
١ – التناقض الفاضح بين ما تحض عليه مواثيق النظام السياسي الدولي من مبادئ وما تدعو إليه من قيم إنسانية ومثاليات سياسية رفيعة، وبين ما تنم عنه سلوكياته الفعلية والتي ترقى به إلى مستوى التنكر العام لكل تلك القيم والمثاليات:
هذا التناقض مدعاة لظهور بعض الممارسات الإرهابية الدولية كصرخة احتجاج مدوية على ما يحمله هذا التناقض الصارخ بين القول والفعل من معان.
٢ – افتقار النظام السياسي الدولي إلى الحزم في الرد على المخالفات والانتهاكات التي تتعرض لها مواثيقه بعقوبات دولية شاملة ورادعة ضد هذا المظهر الأخير من مظاهر العبث.
إن التسيب الدولي هو الذي يفتح المجال واسعا أمام أخطبوط الإرهاب الدولي الذي يجمع في صفوفه بين القتلة والمحترفين والمرتزقة المأجورين وغيرهم من المغرر بهم دينيا أو سياسيا أو عقائديا، وتشجيعه على التمادي في احتقار القانون الدولي، والاعتداء على سيادة الدول والإساءة إلى حقوقها ومصالحها المشروعة بوسائل تدينها الأخلاقيات والأعراف الدولية كالتهديد والتشهير والابتزاز والقتل واختطاف الطائرات وتعذيب الرهائن من المدنيين العزل الأبرياء. إن هذا التخاذل الدولي في رأي أصحاب هذا التفسير قد ينتهي بكارثة دولية لا حدود لها.
(منصور، والشربيني: ٢٠٠٣، ٢٤٤ ٢٤٥)
وفي هذا الإطار السياسي يمكن الإشارة إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي في بريطانيا وحزب العمل الكردستاني في تركيا.
ويمكن الإشارة إلى قوى التحرير الوطني التي ناضلت ضد الاحتلال والاستعمار، ولكن الإرهاب الذي استعملته على رغم محدوديته استعمل أي وسيلة.
ويمكن الاستشهاد في الطلبة من أجل مجتمع ديمقراطي والنمور السود في الولايات المتحدة خلال الستينيات حيث ارتبط نشاط كل منهما بأسباب اجتماعية وسياسية.
وللفت النظر والإعلام عن قضية، من خلال اختطاف الطائرات، يمكن إيراد اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومختطفي الطائرة الكرواتيين من شمال غرب يوغسلافيا عام ١٩٧٦ م.
(السلطان: ٢٠٠٣، ٥٤-٥٥)
الأسباب الاجتماعية للإرهاب والعنف والتطرف
١ – عدم الحكم بما أنزل الله في كثير من البلاد الإسلامية:
لقد خلق الله الخلق لعبادته قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
❋، وأمرهم بإقامة دينه واتباع شرعه: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
❋، ومن مقتضيات العبادة ولزوم الشرع: خضوع العبادة لله عز وجل، والتسليم بحكمه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
❋، وإذا لزم أفراد الأمة التسليم لحكم الله؛ فإن من واجب الأمة كلها: أن تسلم بدين الله وتحكم شرعه سبحانه… وعند تتبع مظاهر الغلو العقدية أو العملية في كثير من البلاد العربية على مر التاريخ نجد غالبها يرجع إلى مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا الانحراف العقدي أنتج انحرافا عقديا مقابلا.
(اللويحق: ١٩٩٨، ٤٣١، ٤٤٥)
٢ – الفساد العقدي:
الأصل أن الدين الإسلامي واحد، وقد تركنا الرسول عليه الصلاة والسلام على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، ولكن أقواما سلكوا سبل الأمم السابقة فتفرقوا في دينهم، وظهر ما يسمى بالخوارج وما يقابلها من بدعة الإرجاء، وبدعة الجبرية رد فعل لبدعة القدرية النفاة، ولقد صار هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا يقابلون البدعة بالبدعة، فالشيعة غلوا في علي رضي الله عنه، والخوارج كفروه، والخوارج غلوا في الوعيد أيضا حتى نفوا بعض الوعد، والمعتزلة غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات، والممثلة غلوا في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه.
وفي العصر الحديث امتلأت الساحة بالفرق والمذاهب والآراء، ولقد كان انتشار تلك الفرق مؤثرا في إحداث الغلو.
وأهم الاتجاهات العقدية المنحرفة التي كان لها أثر واضح في ظهور هذه المشكلة، وإذكاء آراء الغلاة وأقوالهم: الاتجاه الصوفي والاتجاه الإرجائي.
والتصوف يميل إلى عزل الحياة عن الدين وهو بهذا له أثر في انحراف المجتمع المسلم، وأثار من جهة حفيظة بعض الشباب المسلم حيث اتجه إلى الغلو في ربط حياة الناس بالدين في مقابل تسيب المتصوفة الذين يفصلون بين حياة الناس ودينهم. وتطورت هذه المنازعات بين المتصوفة والمتهمين بالغلو إلى حد قيام مجموعات بالتسلل إلى بعض الأضرحة وإحراقها لما يرونه من انحرافات لم تغير ولم تنكر على أصحابها، وصار المتصوفة وأضرابهم يسوقون الكلام عن هذا الحدث في سياق كلامهم عن الغلو، وبغض النظر عن مشروعية العمل، فإنه يدل على أن بقاء هذا الفساد العقدي قد يثير ردود أفعال كثيرة.
أما الاتجاه الإرجائي حيث الأصل فيه اضطراب الناس في أمر علي وعثمان رضي الله عنهما فصار أقوام يقدمون أحدهما وآخرون يعكسون، فنشأ آخرون يرجئون هذا الأمر إلى الله عز وجل، ولكن هذا الإرجاء كان إرجاء في الحكم لا علاقة له بمسائل الإيمان والكفر.
ثم نشأت المرجئة التي تزعم أن الإيمان هو مجرد التصديق فغلب الاسم عليهم قال ابن عينيه رحمه الله: الإرجاء على وجهين: قوم أرجؤوا أمر علي وعثمان فقد مضى أولئك، أما المرجئة اليوم فهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل، فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصلوا عليهم
.
إن انحراف المرجئة هذا في مسألة الأسماء والأحكام قابله انحراف آخر وهو انحراف الغلاة الذين يكفرون بالذنب، وهذا هو شأن البدع إذ ينتج بعضها بعضا، ويكون بعضها رد فعل لبعض، وكما كان السجال بين الخوارج والمرجئة متبادلا وينتج آراء مبتدعة جديدة فإن مرجئة اليوم وخوارج اليوم أيضا أصبحوا على طرفي نقيض، فأصبح السجال بينهم مولدا لآراء وأقوال مبتدعة.
(اللويحق: المرجع السابق، ٤٤٦-٤٥٨)
٣ – اختلال العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
إن قيام أمور حياة الناس الدينية والدنيوية معتمد بعد الله على وجود الآمر الناهي المنظم لشؤون الأمة وأمورها.
ومن كمال هذا الدين أنه ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لأن من شأن ضبط هذه العلاقة انضباط أمور الأمة، وسيرها في حياتها على السواء.
ومما يلفت النظر هنا أن ضبط هذه العلاقة جاء بأسلوب شرعي بديع هو: توجيه كل من الطرفين: الحاكم والمحكوم إلى القيام بالمهام المنوطة به والواجبات الموكلة إليه بأسلوب قوي، فإذا نظرت إلى النصوص الواردة في شأن الحاكم وحقوق الرعية عليه والواجبات المنوطة به ظننت أن الشرع مائل إلى جانب الرعية، وإذا نظرت إلى النصوص الواردة في شأن الرعية وحقوق ولي الأمر عليهم من الطاعة والنصرة ونحوها ظننت أن الشرع مائل إلى جانب الحاكم، والموقف كما هو واضح يتشكل من مجمل النظر إلى النصوص الواردة في ذلك… وعلى الإمام إقامة الدين والحكم بشريعة سيد المرسلين وإصلاح أمر المسلمين والرفق بهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الرعية السمع والطاعة وعليهما التناصح والشورى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
.
(اللويحق: المرجع السابق، ٤٧٥-٤٨٨)
٤ – عدم تكوين روح التعلق بالمجتمع الإسلامي أو بالأمة الإسلامية:
وهذه الروح ضرورية للفرد للعيش في الحياة الاجتماعية ولدوامها.
أما ضرورتها لحياة الفرد في المجتمع فهي أن الفرد لا يمكن أن ينجح في حياته في المجتمع إذا عمل لمصلحته الخاصة باستمرار دون مراعاة شعور الآخرين وحقوقهم الطبيعية، ولا يمكن أن تنجح حياته أيضا إذا عاش منعزلا فإن حياة العزلة إذا استمرت لا ينجو الفرد من عواقبها الأليمة بما يصاب به في النهاية من أمراض نفسية، ومن أهم فوائد الاختلاط أن يجرب الإنسان نفسه وأخلاقه وصفات باطنه وذلك لا يقدر عليه في الخلوة فإن كل غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا بنفسه لم يترشح منه خبثه وهذه الصفات مهلكات في أنفسها يجب إماطتها وقهرها ولا يكفي تسكينها بالتباعد عما يحركها وهذا مهم لتنشئة حياة اجتماعية سوية عن طريق التربية إذ إن الانحرافات والأحداث والمخالفات ترجع إلى عدم نشأة الإنسان نشأة سوية.
ولهذا كله فقد اهتم الإسلام بالتعلق بالمجتمع أو الجماعة اهتماما بالغا وبين علاقة الفرد به حتى شبه المجتمع بالجسم الواحد، وبناء على ذلك دعا إلى التعلق بالجماعة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة
، وقال: من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه
. فقالوا يا رسول الله، أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعون حقنا ويسألون حقهم؟
فقال: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم: ( إلا إذا أمروا بمعصية
، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
(فتح الباري بشرح البخاري للعسقلاني ج ١١ ص ٢٤٠)
فإن الإسلام قرر عقوبات شديدة وزاجرة على جريمة الفتنة وتفريق الأمة؛ إذ عد الإسلام الفتنة أشد من القتل فقال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
ذلك أن الفتنة تؤدي إلى إراقة الدماء وتفريق الأمة من الجرائم الكبيرة في قانون العقوبات. لأن ذلك مخالف لأمر الله تعالى بالاتحاد والاعتصام بحبله المتين: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
ومخالف أيضا لأمره باتباع الطريق المستقيم وتجنب سبل التفرقة فقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
❋.
كما حذر من إثارة الفتنة بعقاب شديد في الدنيا وهو القتل، وقد وردت نصوص بقتل من سعى لتفريق الأمة وتمزيقها بالفتن منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه
، وفي رواية أخرى: ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان
❋.
(يالجن: ١٩٨٧، ٥٥-٥٧)
٥ – غياب دور العلماء وانشغالهم:
إن للعلماء منزلة عظيمة في المجتمع المسلم فهم ورثة الأنبياء كما أخبرنا بذلك رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأن غياب أثر العلماء أو انشغالهم مدعاة لتصدير غير الأكفاء الذين يضلون الناس بالفتوى بالباطل أو بغير علم وحينذاك يتعرض المجتمع للهلاك عندما يأخذ منهم الناس ولا سيما الشباب أمور دينهم أو يزدرون عبادتهم ويتهمونهم بالتقصير ويحللون ويحرمون من عند أنفسهم.
٦ – التفكك الأسري والاجتماعي:
وهذا الحال تشهدها عديد من البلاد الأجنبية وعدد من البلاد العربية مما يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية ونسبة المجرمين والمنحرفين والشواذ.
وقد أدرك الغرب أن أخلاق كثير من الأطفال تفسد في سن مبكرة بسبب المحيط السيئ والوسط الفاسد الذي يفتقد المراقبة والتوجيه السليم.
وحرمان الطفل من هذه الحاجات ومعاملته بالقسوة منذ صغره سوف يساعده على أن ينشأ قاسيا ناقما على الناس، يتخذ من الانحراف وسيلة للثورة على مجتمعه وبيئته وما يحمله من مفاهيم ومعايير ومثل متحديا جميع الاعتبارات غير عابئ بها، ونستشهد بحادثة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد روي أنه قبل الحسن فقال له أحد الصحابة: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا.
فقال الرسول الكريم: من لا يرحم لا يُرحم
.
الأسباب النفسية للإرهاب والعنف والتطرف
تتعدد الأسباب النفسية المؤدية للعنف والإرهاب والتطرف ويمكن تصنيفها إلى الآتي:
١ – الدوافع التدميرية النفسية المتأصلة:
هناك من يرى من علماء النفس التحليليين أن ذلك يرجع إلى غريزة الموت والميل التدميري (العدواني) الذي هو ميل متأصل ضارب الجذور في تكوين البشر منذ خلقه الله تعالى ومن أولئك: (فرويد، وميلاني كلاين). ويحللها بعض النفسيين بأنها تصريف لطاقة أو لشحنات دافع العدوان والرغبة في التدمير سواء الموجهة إلى الذات أو إلى الآخر، وقد كانت هذه الشحنات تجد منصرفا وإشباعا مثاليا في مقاومة المصريين للاحتلال الإنجليزي، ثم في الحرب مع إسرائيل، فلما سد الآن أمامها هذان السبيلان انصرفت إلى مسارب أخرى ضارة بالمجتمع، أوضحها وأخطرها ظاهرة الإرهاب والعنف التي لا تخطئها الآن عين.
(منصور والشربيني: ٢٠٠٣، ٢٤٩)
٢ – ضعف الأنا العليا (النفس اللوامة أو العقل والضمير) وسيطرة الذات الدنيا («الهوى» أو النفس الأمارة بالسوء)، على الشخصية الإنسانية:
فيتصرف الشخص في هذه الحالة وفق هواه أو الإيحاءات الخارجية الصادرة ممن يعتقد أنهم رمز للقوة والحرية والمثل الأعلى له وتتكون هذه الشخصية عادة لدى الأشخاص الذين يشعرون بالنقص في ذواتهم، ولدى من تعرضوا لتربية والدية أو أسرية قاسية أو لدى الأشخاص الذين لم يحققوا ذواتهم ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم أو يحتويهم وقد يكون لديهم ثمة ميول ودوافع للعدوان متخفية داخلهم أي يمكن أن تكون على مستوى غير شعوري فتظهر إذا ما سنحت لها الفرصة أو تهيأت لها الظروف، وقد تظهر هذه الميول ردة فعل للإحساس بالضعف والعدوان الدفين معا، وتشير بعض الدراسات النفسية إلى أثر سلوك الآباء في شخصيات المتطرفين والعدوانيين فهم إما مضادون للمجتمع أو مدمنون للخمور أو من النوع الذي هجر أطفاله لسبب أو لآخر، وعجز عن الإشراف على تربيتهم، أو طلق زوجته، أو من النوع البارد عاطفيا.
(الحسين: ٢٠٠٢، ٣٩٧)
٣ – تضخم الأنا العليا بسبب الشعور المتواصل بوخز الضمير:
وهذا من الحيل النفسية الدفاعية التي يلجأ إليها الشخص لتطهير ذاته والتكفير عن تقصيره تجاه نفسه أو معتقده الديني أو مجتمعه وغالبا ما يقترن ذلك بالخجل والاشمئزاز من النفس والاكتئاب ويبلغ في مرضى الوسواس والاكتئاب النفسي حدا من القسوة والخطورة ما يجعل الحياة جحيما من العذاب وعبثا لا يطاق، هنا تستحوذ على الشخص حاجة ملحة لانتقاد نفسه والسعي إلى إنقاذها من الهلاك أو الشعور بالخطيئة والعمل وفق ما يرضى عنه ضميره.
… هذا نوع من قلق (الأنا) إزاء (الأنا الأعلى)… كأن الأنا الضمير المتجهم لا يطيب له أن تطيب لنا الحياة.
(راجح: ١٩٨٥، ٥٧٤)
٤ – الإحباط في تحقيق بعض الأهداف أو الرغبات أو الوصول إلى المكانة المنشودة:
فقد يأخذ الإحباط لدى بعض الشباب صورة الشعور بالاكتئاب، وهناك من يتمرد ويظهر السلوك العدواني أو المتطرف نتيجة شعور الفرد بالهزيمة أو الفشل، وكلما كان موضوع الإحباط مهما لدى الشخص أو يتعلق بمجال حيوي ومباشر كان الإحباط أشد، وظهرت ردة الفعل بصورة أقوى واعنف.
٥ – هذاءات العظمة:
تعد هذاءات العظمة عاملا نفسيا آخر، يمكن أن ييسر التورط في عنف أو حرب مدمرة، ويؤدي إليها. فهذاءات العظمة هو عرض مرضي عقلي، ويعني اعتقادا يسود فكر المريض بأنه شخص عظيم، دون أن يسند هذا الاعتقاد واقع يدعمه منطق ولقد كان ( أدولف هتلر ) مثلا واضحا لهذه الشخصية في إدارة الحرب ضد عدوه. فلقد غالى في تقدير قوة جيشه وكفايته في إدارة دفة الحروب غلوا كبيرا فكان من نتيجة هذا التصرف الجنوني أن تسبب في فقدان حياته الشخصية، وتدمير بلده. وفوق كل هذا فإن تصرفه هذا أدى إلى تقسيم ألمانيا إلى بلدين منفصلين هما ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، ولقد أصبحت هاتان الألمانيتان متضادتين في توجهاتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولقد كان من الممكن أن تتورط إحداهما في حرب ضد الأخرى، لولا أن انتهى الأمر إلى التوحد في دولة واحدة.
(منصور، والشربيني: ٢٠٠٣، ٢٤٧-٢٨٤)
٦ – هذاءات الاضطهاد:
تعد هذاءات الاضطهاد من أعراض المرض العقلي، ويمكن أن يحفز الرئيس أو القائد المضطرب إلى بدء حرب أو شن إرهاب أو عمل إرهابي، أو إلى تفضيلها. ففي هذا الاضطهاد يعتقد القائد في دعاوى زائفة بأن الآخرين يكيدون للإضرار به، أو تدميره هو، أو بلده الذي يحكمه ويقوده، أو إلى فكره أو منطقه أو قيمه التي يؤمن بها، ولذا فإنه يصبح متشككا ويفضل أن يأخذ موقف الهجوم ويبدأ خطواته عن أن يأخذ موقف الدفاع. ففي مثل هذه الحالة، قد نجد بلده أو جماعته أو فريقه، يتورط بسهولة في حرب أو عمل إرهابي. ويلحظ أن هذاءات الاضطهاد هذه قد تكون مصحوبة بهذاءات عظمة فيكون أيسر على القائد أو جماعته للتورط بأساليب العنف أو الحروب أو لا تكون مصحوبة بهذاءات العظمة.
(منصور والشربيني المرجع السابق: ٣٨٤)
وقد دلت دراسات واسعة النطاق بين المضطربين والأسوياء بينهم قادة وزعماء ومنظمون لبعض الأعمال الإرهابية ظهرت منها فوارق كثيرة فيما يتصل بخبرات الطفولة في الأسرة. فكانت العلاقات الأبوية المضطربة أكثر شيوعا في المضطربين، كالإسراف في السيطرة والتأديب الصارم، هذا فضلا عن البيوت المحطمة من أثر الشقاق أو الطلاق أو الفقر… كذلك أسفرت الدراسات عن دور الصدمات الانفعالية والأمراض الجسمية الشديدة في الصغر، وإذا تزامن ذلك بعد إرادة الله مع عامل وراثي أو عضوي أو عامل له صلة بناحية نفسية أو عاطفية فإن ذلك يمهد لظهور الاضطرابات الشخصية في الكبر.
(راجح، المرجع السابق، ٦٠٣)
٧ – الشخصيات المتبلدة أو الفصامية:
الشخصية المتبلدة أو الفصامية هي العامل النفسي المهم والأخير من العوامل النفسية لظهور العنف والإرهاب والتطرف وهذه الشخصية تمثل حالة مرضية تجعل صاحبها منفصلا عن الواقع، مخطئا في تقدير ظروفه، خاليا من المشاعر، وغير مكترث بشيء (أي غير مبال).
فإذا كان قائد البلد أو رئيسه له هذا النمط من الشخصية فإنه سوف يسيء تقدير العوامل السياسية وغيرها من ظروف الواقع وملابساته، والتي تعد ذات أهمية قصوى (في تقدير المواقف واتخاذ القرارات المصيرية خاصة) كما أنه سيكون أيضا غير مكترث بالتدمير الذي سيقود بلده أو جماعته إليه، أو سيلحقه بعدوه.
(منصور والشربيني، مرجع سابق، ٢٤٨-٢٤٩)
الأسباب التربوية للعنف والإرهاب والتطرف
على الرغم من أن العوامل التربوية ليست من الأسباب المباشرة للإرهاب، إلا أن النقص والسلبيات في الأنظمة والمناهج الدراسية تؤدي إلى ظهور مشكلة الإرهاب في بعض المجتمعات الإسلامية.
ويمكن حصر الأسباب التربوية فيما يأتي:
١ – نقص الثقافة الدينية في المناهج التعليمية من الابتدائي وحتى الجامعة في معظم البلاد الإسلامية.
فما يدرس في مراحل التعليم الأساس، لا يؤهل شخصا مثقفا بثقافة مناسبة من الناحية الإسلامية، ليعرف ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهو الحد الأدنى للثقافة الإسلامية، وقد أدى ضعف المقررات الدينية، وعدم تلبيتها لحاجات الطلاب في توعيتهم في أمور دينهم وتنوير فكرهم بما يواجههم من تحديات في هذا العصر؛ إلى نقص الوعي الديني بوجه عام مما يكون له الأثر السلبي على سلوك واتجاهات الأفراد واتجاهاتهم.
(الظاهري: ٢٠٠٢، ٦٠-٦١)
٢ – عدم الاهتمام الكافي بإبراز محاسن الدين الإسلامي والأخلاق الإسلامية التي يحث عليها الدين:
ومما يحث عليه الدين الإسلامي ويدعو إليه الرفق، والتسامح، وحب الآخرين ومراعاة حقوق المسلمين منهم وغير المسلمين، والسلام، والتعاون، والرحمة، والبعد عن الظلم والاعتداء والبعد عن الحكم بالأهواء الشخصية، وغير ذلك مما يدعم الأمن والحب والعدالة بالمجتمعات ولاسيما الإسلامية فالإسلام هو دين السلام والعدل والحرية. ولا بد من إظهار هذه المحاسن والأخلاقيات منذ بداية التعليم في الصفوف الأولى مع التركيز عليها في الصفوف الثانوية وبداية الجامعي.
٣ – عدم الخضوع للنظام في مرحلة الطفولة في مختلف المراحل التربوية:
والسبب في ذلك إهمال تدريب الإرادة بممارسة أعمال الضبط في ظروف الثورة والهيجان النفسي وبمقاومة الرغبات النفسية الشهوية ولا شك أن للإنسان نوازع وانفعالات سلبية لا بد من التحكم فيها وضبطها كالغضب، والشح والبخل عند الضيق والحاجة، والانتقام عند القوة والانتصار، وغيرها. ولهذا كله فإن بعض الأحداث الاجتماعية تحدث نتيجة عدم تكوين مثل هذه الروح الخاضعة للنظام.
(يالجن: ١٩٨٧، ٥٣-٥٤)
الوسائط المساعدة على العنف والإرهاب والتطرف
١ – وسائل الإعلام:
تلعب وسائل الإعلام دورا لا يستهان به في تغذية أو دعم أو ظهور العنف والإرهاب والتطرف فهي بما تقدمه من برامج وأفلام وأخبار وأساليب للإخبار عن الأحداث أو تركيبها وعن الأشخاص وسيط مشارك لدى عديد من الدول ومن وسائل الإعلام التلفاز أو القنوات الفضائية التي في أغلبها تنتهج منهج التطرف فإما الاستهتار بالعقول والشعائر الدينية والأخلاقية، أو زرع الفتن وإثارتها من خلال بعض البرامج أو الأفكار والتهويل والتضخيم، ولو كان التناول في القضايا والموضوعات وحتى التحليلات تناولا إيمانيا يقوم على التعامل مع الحقائق والاستناد إليها في التفسير والتحليل، والتعليق وغيره، والمعايشة الحية للأحداث والتحري والتثبت من الأخبار وروايتها… ومراعاة الحالة النفسية المهيأة لدى المستقبل، وظروف الزمان والمكان (الشنقيطي: ١٩٩٨، ١٥٩-١٦٠) لكان التأثير إيجابيا بل ولحدت من الآثار السلبية من حيث كونها سلاحا ذا حدين.
وتعد شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) اليوم من الوسائط القوية الأثر في خدمة عمليات العنف والإرهاب الدولية، فهذه الشبكات تنشر الأفكار والمعلومات والتصريحات والأحكام بين الأطراف المشتركين فيها على امتداد العالم كله وهي مفتوحة على مصراعيها للانظمام المطرد إليها يوما بعد يوم، وهي تضم علاوة على ذلك كل شئ بدءا من الكتب التراثية وانتهاء بالأفلام المحظورة. فمثلا يمكن للمستخدم استعراض محتويات مكتبة الكونجرس الأمريكية الضخمة من خلال الإنترنت، وهو جالس في بيته أو محله كما يمكنه التعرف على أحوال المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية ويزيد عدد مستخدمي شبكة الإنترنت، أو المشتركين فيها على تسعين مليون مستخدم أو مشترك في شتى أنحاء العالم، حيث ينضم إليها ما يقارب سبعة ملايين مشترك سنويا.
كذلك ما تبثه الصحف اليومية من أخبار وصور، بل مقالات تحت الحرية المغلوطة أو الدعم الإرهابي المبطن بالمقابل، كل ذلك يساعد على ظهور السلوكيات التي تخرج عن زمام المعقول والمنطق أو ردة الفعل الإرهابية أو المبالغ فيها.
٢ – رفقاء السوء – وهذه تدخل ضمن العوامل الاجتماعية كذلك:
لا شك أن للرفقاء أو الشلة دورا لا يستهان به في النزوع نحو العنف والإرهاب والتطرف ولا سيما عندما يكون تأثير هذه الشلة قويا في وجود شخصية ضعيفة أو إيحائية أو غير مستقرة أسريا كما أنها تسمح للفرد بالتعبير عن رأيه بحرية حتى لو كانت آراؤه خاطئة بل ربما وجد فيها الفرد متنفسا للكبت الداخلي لديه أو محرضا على سلوك لا يقره المجتمع أو المنطق.
٣ – الدعم المالي:
وهو مما يسهل عمليات توفير وسائل العنف والإرهاب والحصول عليها أو شرائها أو تهريبها، والاستفادة من المعطيات التقنية في إظهارها والتفنن في إشاعة الخوف والهلع بين الناس.
ولا شك أن المال قوة ووسيلة مهمة للتمويل والتجهيز والدعم لمثل تلك الأعمال أو تشجيع بعض الأفراد على دعم أو تسهيل المهام المتعلقة بأعمال عنف أو عدوان أو إرهاب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعه.
كتبته
أسماء الحسين
فهرس المراجع
- * الحسين، أسماء عبد العزيز ( ٢٠٠٢ ): المدخل الميسر إلى الصحة النفسية والعلاج النفسي. الرياض: دار عالم الكتب.
- * راجح، أحمد عزت ( ١٩٨٥ ): أصول علم النفس. الإسكندرية: دار المعارف.
- * السلطان، عبد الله بن عبد المحسن ( ٢٠٠٣ ): عن الإرهاب والإرهابيين. الرياض: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان.
- * السماعيل، محمد عبد العزيز ( ١٤١٢ ): الإرهاب والإرهابيون. الأحساء: مطابع الحسيني الحديثة.
- * الشنقيطي، محمد ساداتي ( ١٩٩٨ ): الإعلام الإسلامي المنهج. الرياض: دار عالم الكتب.
- * الظاهري، خالد بن صالح بن ناهض ( ٢٠٠٢ ): دور التربية الإسلامية في الإرهاب. رسالة دكتوراه منشورة. الرياض: دار عالم الكتب.
- * منصور، سيد أحمد والشربيني، زكريا أحمد ( ٢٠٠٣ ) سلوك الإنسان بين الجريمة العدوان الإرهاب. القاهرة: دار الفكر العربي.
- * اللويحق، عبد الرحمن بن معلا ( ١٩٩٨ ): مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر. الجزء الثاني. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
- * يالجن، مقداد ( ١٩٨٧ ): التربية الإسلامية ودورها في مكافحة الجريمة. مطابع الفرز دق التجارية.