حرمة دماء غير المسلم في الشريعة الإسلامية:
من عظمة الشريعة الإسلامية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين، فقد حرم الإسلام الاعتداء عليهم وجاء ذلك في العديد من النصوص الشرعية ومنها ما رواه البخاري في الصحيح
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)).
وقد أفاد الحديث أن من قتل معاهدًا بغير حق، والمعاهد هو من دخل أرض الإسلام بعهد وأمان، أو كان من أهل الذمة، من الكفار، لم يمكنه الله من دخول الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة، وهذا دلالة على بعده عنها، وهو يفيد حرص الإسلام على الحفاظ على الدماء المعصومة من المعاهدين والذميين، وأن قتلهم بغير حق من كبائر الذنوب
فالأنفس البشرية معصومة مصونة وكرامتها محفوظة قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}
لا يمكن للإنسان أن يحقِّق أهدافه، ويبلغ غاياته إلا إذا تمتَّع بحقوقه كاملة، وفي مقدِّمتها حقُّ الحياة وحقُّ التملك، وحقُّ صيانة العرض، وحقُّ الحرِّية وحقُّ المساواة وحقُّ التعلُّم وغيرها من الحقوق. وكلُّ هذه الحقوق واجبة له من حيث أنه إنسان، بغضِّ النظر عن لونه او عرقه أو دينه أو جنسه أو وطنه أو مركزه ومنصبه، لذا أمرنا شرعنا أن نتعامل مع غيرنا من غير المسلمين بأحسن معاملة في كافة نواحي الحياة، في البيع والشراء والوفاء بعقودهم وعهودهم قال تعالى {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} وأيضا الإحسان إلى من أحسن إلى المسلمين منهم: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، أوجب على الأبن المسلم البر بوالديه الكافرين: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} كما أجاز شرعنا الزواج من المحصنات الكتابيات {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأوجب علينا دعوتهم إلى الإسلام لإخراجهم من الظلمات إلى النور ومحبة للخير لهم إن النفس البشرية محترمة تجب المحافظة عليها
ويقد يعطي عهد الأمان أحد من المسلمين فضلا عن الدولة، فلا يجوز التعرض لهم ولو كانوا في الأصل محاربين وفي الصحيحين عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى)[1]
وقال ﷺ: ((ذمَّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم))[2]. قال النووي: المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أنَّ أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمَّنه به أحد المسلمين، حرُم على غيره التعرُّض له، ما دام في أمان المسلم[3].
كانت هذه بعض الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على حرمة الدماء وكيف أن هذا الدين الإسلامي الحنيف حافظ عليها من أن تسفك بغير حق نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن
كتبه المشرف العام لمنصة إنسان : الشيخ رائد صبري أبو علفة.
[1] رواه البخاري (3171) ومسلم (336)
[2] رواه مسلم (3397).
[3] (شرح صحيح مسلم)) (9/144-145).