تحذير النبي ﷺ من الغلو في مدحه:
وقد حذر النبي ﷺ أمته كذلك من الغلو في حقه ﷺ.
وذلك لما ينطوي عليه الغلو من الشر العظيم، ولما يعلمه ﷺ من منزلته في قلوب المؤمنين.
فقد خشي ﷺ أن يدفعهم حبهم وتعظيمهم له إلى رفعه فوق منزلته التي جعلها الله له وتشريكه مع الله في بعض ما هو حق لله.
فحذرهم من الغلو في شخصه بأساليب مختلفة وذلك حماية منه لجناب التوحيد وقطعا لذريعة الشرك.
وقد جاء تحذره تارة بأسلوب النهي الصريح، وتارة بالتجائه إلى ربه ودعائه بأن لا يتحول قبره إلى وثن يعبد.
فمما ورد عنه قوله ﷺ: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله.
قال ابن حجر: “الإطراء: المدح بالباطل تقول أطربت فلانًا: مدحته فأفرطت في مدحه”[1].

فمعنى الحديث: أي لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الربوبية، وإنما أنا عبد الله فصفوني بذلك كما وصفني به ربى، وقولوا عبد الله ورسوله.
لقد نهي الرسول الكريم عن المبالغة في مدحه لعلمه بأن هذه المبالغة بريد إلى الغلو ومدعاة للشرك والانحراف عن الطريق السوي.
وذلك بأن يمدح بما هو من خصائص الله كأن يرفع إلى مقام الألوهية أو يعطى بعض صفات الله، كما قالت امرأة في زمنه وهي تمدحه: وفينا نبي يعلم ما في غد. فنهاها ﷺ، وذلك لأن علم الغيب من خصائص وصفات الله، وقد أمر الله رسوله أن يقول: [وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ] (لأعراف: 188).
فلا يعلم رسول الله ﷺ من الغيب إلا ما علمه الله، أو أن يستغاث به أو يدعى من دون الله
ومن الإطراء ما فعله صاحب البردة، حيث قال:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به | سواك عند حلول الحادث العمم |
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي | فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم |
فإن من جودك الدنيا وضرتها | ومن علومك علم اللوح والقلم |
هذا من أقبح الغلو؛ فجعل الرسول ﷺ يعلم الغيب، ويعلم ما في اللوح والقلم، وأن الدنيا الآخرة من جوده كل هذا ضلال.
والنهي عن المبالغة في الإطراء لا يعني التقليل من قدره وتوقيره والعياذ بالله كما يفهم من ذلك بعض السذج.
كتبه المشرف العام لمنصة إنسان : الشيخ رائد صبري أبو علفة
[1] فتح الباري (6/ 490).