قد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف، ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية، وغيرها من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء ، وتخريب المنشآت، ونظراً إلى خطورة هذا الأمر، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة ؛ وإتلاف أموال معصومة ، وإخافة للناس ، وزعزعة لأمْنهم واستقرارهم، فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحاً لله ، ولعباده ، وإبراء للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليه الأمر في ذلك.
بيان من هيئة كبار العلماء حول التكفير والتفجير
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف، ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية، وغيرها من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء ، وتخريب المنشآت، ونظراً إلى خطورة هذا الأمر، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة ؛ وإتلاف أموال معصومة ، وإخافة للناس ، وزعزعة لأمْنهم واستقرارهم، فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحاً لله ، ولعباده ، وإبراء للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليه الأمر في ذلك، فنقول وبالله التوفيق :
أولاً: التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله ورسوله، فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير، وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل، يكون كفراً أكبر مخرجاً عن الملة .
ولَمَّا كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله ؛ لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة ، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن، لِمَا يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات، مع أن ما يترتب عليها أقل مِمَّا يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات؛ ولذلك حذر النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: (( أيُّمَا امرئ قال لأخيه: يا كافر ، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه))
[ رواه البخاري في صحيحه(7/127رقم6104) ، ومسلم في صحيحه(1/79رقم60) من حديث عبد الله بن عمر -رضي اللهُ عنه-.] وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أنَّ هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به، لوجود مانع يمنع من كفره، وهذا الحكم كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها كما في الإرث، سببه القرابة –مثلاً- وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به.
وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد، كما في قصة الذي قال: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك))
؛ أخطأ من شدة الفرح.[رواه مسلم في صحيحه(4/2104رقم2747) من حديث أنس بن مالك -رضي اللهُ عنه- ].
والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة: من استحلال الدم والمال ، ومنع التوارث وفسخ النكاح ، وغيرها مما يترتب على الردة ، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة .
وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد ؛ لِمَا يترتب عليه من التمرد عليهم، وحمل السلاح عليهم ، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد ، ولهذا منع النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- من منابذتهم، فقال: ((إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان))
[رواه البخاري في صحيحه(8/422-423رقم7055-7056) ، ومسلم في صحيحه(3/1470 رقم1709) من حديث عبادة بن الصامت -رضي اللهُ عنه- .].
فأفاد قوله: ((إلا أن تروا))
: أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة. وأفاد قوله: ((كفراً))
أنه لا يكفي الفسوق ولو كبر ؛ كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار، والاستئثار المحرم. وأفاد قوله: ((بواحاً))
أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح؛ أي: صريح ظاهر. وأفاد قوله: (( عندكم فيه من الله برهان))
: أنه لا بد من دليل صريح ، بحيث يكون صحيح الثبوت ، صريح الدلالة ، فلا يكفي الدليل ضعيف السند ، ولا غامض الدلالة . وأفاد قوله: ((من الله))
أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت مَنْزِلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله، أو سنة رسوله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- .
وهذه القيود تدل على خطورة الأمر .
وجملة القول: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم ؛ لقول الله -عزَّ وجلَّ-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
ثانياً: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ: من استباحة الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت ، فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعاً بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار،وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها .
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم ، وأعراضهم ، وأبدانهم ، وحرم انتهاكها، وشدد في ذلك ، وكان من آخر ما بلغ به النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أمته ، فقال في خطبة حجة الوداع : ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ؛ كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا))
ثم قال -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)) متفق عليه.
وقال -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه))
[رواه مسلم في صحيحه(4/1986رقم2564) من حديث أبي هريرة -رضي اللهُ عنه- ] ، وقال –عليه الصلاة والسلام- : ((اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))
[رواه مسلم في صحيحه(4/1996رقم2578) من حديث جابر -رضي اللهُ عنه- ].
وقد توعد الله سبحانه من قتل نفساً معصومة بأشد الوعيد، فقال سبحانه في حق المؤمن: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}
، وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ : {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً}
فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة ، فكيف إذا قتل عمداً ، فإنَّ الجريمة تكون أعظم ، والإثم يكون أكبر . وقد صح عن رسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أنه قال : ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة))
[رواه البخاري في صحيحه(4/398-399رقم3166) من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- ].
ثالثاً: إن المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- وخطورة إطلاق ذلك، لما يترتب ىلاعنهعليه من شرور وآثام ، فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة، وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي، والإسلام برئ منه، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه ، وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف ، وعقيدة ضالة؛ فهو يحمل إثمه وجرمه ، فلا يحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة ، المستمسكين بحبل الله المتين ، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة أهله . قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ {206}
.
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق ، والتناصح والتعاون على البر والتقوى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال الله -سبحانه وتعالى- : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
، وقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال -عزَّ وجلَّ- : {وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}
وقال النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((الدين النصيحة))
قيل: لمن يارسول الله ؟ قال: ((لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم))
[رواه مسلم في صحيحه(1/74رقم55) من حديث تميم الداري -رضي اللهُ عنه- ] ،
وقال -عليه الصلاة والسلام- : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))
[رواه البخاري في صحيحه(7/102رقم6011) ، ومسلم في صحيحه(4/1939 رقم2586) من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- ].
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى : أن يكفَّ البأس عن جميع المسلمين ، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه ، ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن ينصر بهم الحق ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه”
المصدر:مجلة البحوث العلمية. عدد56 (ص/357) .
بيان هيئة كبار العلماء حول أعمال الشغب التي قام بها بعض الحجاج الإيرانيين في موسم حج عام 1407هـ.
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، واتَّبع سنته إلى يوم الدين . وبعد:
فقد اطلع مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية على الأحداث المؤسفة التي قام بها بعض الحجاج الإيرانيين بعد صلاة العصر من يوم الجمعة السادس من شهر ذي الحجة لعام 1407هـ من تجمُّعات ومسيرة صاخبة ، تعطَّل بسببها خروج المصلين إلى منازلهم ومصالحهم ، وتعرقلت حركة المرور ، وتوقَّف السير فجأة في الشوارع والطرقات ، مما أدى إلى تدخل الحجاج والمواطنين المحتجزين عن الحركة مع الحجاج الإيرانيين في محاولة لإقناعهم بإخلاء الشوارع ، ورفض المسيرة إلا أنَّ الحجاج الإيرانيين أصروا على استكمال مسيرتهم الغوغائية رغم جميع المحاولات السلمية الهادئة التي بذلها الحجاج الآخرون على مختلف جنسياتهم وكذا المواطنون سقط خلالها المئات من القتلى والجرحى من النساء والرجال حجاجاً ومواطنين . وإن المجلس ليستنكر هذا العمل ويشجبه، لِما فيه من إيذاء المسلمين من الحجاج وغيرهم في هذا البلد الحرام في الشهر الحرام ، ولكونه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من قتل النفوس ، ومضايقة الناس وغير ذلك من أنواع الأذى والظلم ، كما يُحَمَّل الإيرانيين مسئولية ما نشأ عن عملهم هذا من مفاسد وفتن .
ولا شك أن هذا العمل مخالف لأمر الله سبحانه لمن أراد الحج بقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
والواجب على المسلم أن يلتزم بما أمر الله به ، ورسوله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- من الأخلاق الكريمة ، والمعاملة الطيبة لإخوانه المسلمين.
ولقد عظَّم الله سبحانه وتعالى بيته الكريم ، وجعل له من الخصائص ما ليس لغيره من الأمكنة والبقاع ، فقال سبحانه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}
، وتوعَّد من أراد الإلحاد فيه بالعذاب الأليم بقوله سبحانه: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}
قال ابن عباس -رضى الله علنه-: الظلم هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من إساءة أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك ، وتقتل من لا يقتلك.اهـ.
وقد حرم الله سبحانه إيذاء المؤمنين والمؤمنات في كتابه الكريم في كل مكان وفي كل زمان ، فكيف بإيذائهم في البلد الأمين ، وفي وقت أداء المناسك ، لاشك أن هذا يكون أشد إثماً ، وأعظم جرماً ، قال سبحانه : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى مشروعية الحج ومنافعه بقوله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ {27} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {28} ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ {29} ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ –إلى قوله سبحانه- فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ –إلى قوله سبحانه- ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ{32}
فهذه هي أوامر الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته لحجاج بيت الله الحرام : لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، ولا استهانة بحرمات الله ، ولا تلفظاً بقول الزور، بل ذكر الله وتعظيم لحرماته وشعائره.
وبذلك يعلم أن ما فعله بعض الحجاج الإيرانيين بأعمالهم الاستفزازية مخالف لأوامر الله وتوجيهاته التي وردت في كتابه الكريم ، وعلى لسان رسوله الأمين.
فالواجب على جميع علماء المسلمين وحكامهم وقادتهم إنكار ذلك وشجبه ليعلم كل أحد تحريم هذا العمل وبشاعته ومخالفته لشرع الله ، وسوء ما يترتب عليه من العواقب الضارة بالمسلمين من الحجاج وغيرهم وعلى المتظاهرين أنفسهم .
وبذلك يعلم حكام إيران أن الواجب عليهم منع حجاجهم من هذا العمل السيء، وعدم تشجيعهم عليه لما تقدم من الأدلة الشرعية ، والمعاني المرعية ، والعواقب السيئة المترتبة على ذلك.
كما يعلم أن الواجب على حكومة هذه البلاد وفقها الله منع مثل هذا العمل ، وعدم التمكين منه بالطرق التي تراها كفيلة بذلك حماية لحجاج المسلمين وغيرهم من المواطنين من الأذى والظلم وغير ذلك مما يترتب على هذه الأعمال المخالفة للشرع ممن العواقب الوخيمة.
وبهذه المناسبة فإن المجلس حين يستنكر هذا الحادث ويشجبه يوصي جميع حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله وتعظيم حرماته ، والتعاون على البر والتقوى ، وعطف بعضهم على بعض ، وإحسان بعضهم إلى البعض الآخر ، والحذر من كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، أو يشغلهم عن أداء مناسكهم على الوجه الذي شرعه الله ، والله المسؤول أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، ويصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، ويصلح قادتهم ، ويمنح الجميع الفقه في دينه والثبات عليه ،وأن يوفق ولاة أمر هذه البلاد لكل ما فيه صلاح الأمة وسعادتها ، وتسهيل أمور الحج للمسلمين ، وأن يضاعف مثوبتهم على ما قدموه من إحسان وتسهيل وأن يزيدهم من فضله ، وينصر بهم الحق ، إنه جواد كريم .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء
أعضاء هيئة كبار العلماء
عبد الله خياط ، عبد العزيز بن صالح ، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، سليمان عبيد ، عبد المجيد حسن ، إبراهيم بن محمد آل الشيخ ، صالح بن غصون ، محمد جبير ، صالح بن محمد اللحيدان ، عبد الله بن غديان راشد بن خنين ، عبد الله بن منيع ، حسن بن جعفر العتمي ، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ محمد الصالح العثيمين ، عبد الله البسام ، صالح الفوزان
المصدر: مجلة البحوث العلمية عدد2 (ص/317-320)
قرار مجلس هيئة كبار العلماء حول حادث التخريب
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين. وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ، وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 18/1/1409 إلى 12/1/1409بناءً على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء ، وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها ، قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة ، ومن ذلك:
نسف المساكن ، وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة ، ونسف الجسور والأنفاق ، وتفجير الطائرات أو خطفها ، وحيث لو حظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلاد القريبة والبعيدة ، وبما إن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية ، فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملاً تخريبياً ، سواء كان موجهاً ضد المنشآت العامة والمصالح الحكومية ، أو كان موجهاً لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن.
وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال.
وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم ، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد، ونشوء حالة الفوضى والاضطراب ، وإخافة المسلمين وممتلكاتهم.
والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، ومما يوضح ذلك قوله سبحانه وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}
الآية، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم ، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وغيرها على السواء، لقوله سبحانه: {ويسعون في الأرض فساداً}
، والله تعالى يقول: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}
، وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضر بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك” أ. هـ [تفسير ابن كثير(2/223).] وقال القرطبي: “نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر فهو على العموم على الصحيح من الأقوال” أ. هـ. [تفسير القرطبي(7/226)] وبناء على ما تقدم ولأن ما سبق إيضاحه يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة يطلبون حصولهم عليها من مال أو عرض، وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة ، واجتثات عقيدتها ، وتحويلها عن المنهج الرباني ، فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
أولاً : من ثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن ، بالاعتداء على النفس والممتلكات الخاصة أو العامة، كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ، ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول ، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك فإن عقوبته القتل ، لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد ، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله ، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة.
ثانياً : أنَّه لابد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى، براءة للذمة واحتياطاً للأنفس، وإشعاراً بما عليه هذه البلاد من التَّقَيُّدِ بكافة الإجراءات اللازمة شرعاً لثبوت الجرائم وتقرير عقابها.
ثالثاً: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الأعلام.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
مجلس هيئة كبار العلماء.
قرار رقم(148) الصادر في الدورة الثانية والثلاثين بتاريخ 12/1/1409 “مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثاني(ص/181)”
قرار حادث التفجير الذي وقع في الرياض في حي العليا
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه .
وبعد:
فإن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية علمت ما حدث من التفجير الذي وقع في حي العليا بمدينة الرياض قرب الشارع العام ضحوة يوم الإثنين20/6/1416 هـ وأنه قد ذهب ضحيته نفوس معصومة، وجرح بسببه آخرون ، وروع آمنون وأخيف عابر السبيل، ولذا فإن الهيئة تقرر أن هذا الاعتداء آثم وإجرام شنيع، وهو خيانة وغدر، وهتك لحرمات الدين في الأنفس، والأموال ، والأمن، والاستقرار ، ولا يفعله إلا نفس فاجرة ، مشبعة بالحقد والخيانة والحسد والبغي والعدوان، وكراهية الحياة والخير، ولا يختلف المسلمون في تحريمه، ولا في بشاعة جرمه وعظيم إثمه ، والآيات والأحاديث في تحريم هذا الأجرام وأمثاله كثيرة ومعلومة.
وإن الهيئة إذ تقرر تحريم هذا الإجرام وتحذر من نزعات السوء، ومسالك الجنوح الفكري ، والفساد العقدي ، والتوجيه المردي، وإن النفس الأمارة بالسوء إذا أرخى لها المرء العنان ذهبت به مذاهب الردى ، ووجد الحاقدون فيها مدخلاً لأغراضهم وأهوائهم التي يبثونها في قوالب التحسين، والواجب على كل من علم شيئاً عن هؤلاء المخربين أن يبلغ عنهم الجهة المختصة.
وقد حذر الله سبحانه في محكم التَّنْزِيل من دعاة السوء والمفسدين في الأرض فقال: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
، وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205}وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يهتك ستر المعتدين على حرمات الآمنين، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين، وأن يحمي هذه البلاد وسائر بلا المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يوفق ولاة أمرنا وجميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد إنه خير مسؤول.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
مجلس هيئة كبار العلماء
قرار حادث التفجير الذي وقع في مدينة الخبر في المنطقة الشرقية
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده محمد وآله وصحبه
وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في جلسته الاسثنائية العاشرة المنعقدة في مدينة الطائف يوم السبت13/2/1417 هـ. استعرض حادث التفجير الواقع في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية يوم الثلاثاء 9/2/1417 هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع وإصابات لكثير من المسلمين وغيرهم.
وإن المجلس بعد النظر والدراسة والتأمل قرر بالإجماع ما يلي:
أولاً: إن هذا التفجير عمل إجرامي بإجماع المسلمين، وذلك للأسباب الآتية:
1 – في هذا التفجير هتكٌ لحرمات الإسلام المعلومة بالضرورة: هتكٌ لحرمة الأنفس المعصومة، وهتكٌ لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غِنَى للناس في حياتهم عنها.
وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم، فويلٌ له ثم ويلٌ له من عذاب الله ونقمته، ومن دعوة تحيط به، نسأل الله أن يكشف ستره، وأن يفضح أمره.
2 – أن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام ، هي كل مسلم، وكل من بينه وبين المسلمين أمان كما قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
وقال سبحانه في حق الذمي الذي ذمة في حكم قتل الخطأ: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً}
فإذا كان الذمي الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة، فكيف إذا قتل عمداً؟! فإن الجريمة تكون أعظم والإثم يكون أكبر.
وقد صح عن رسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة))
[رواه البخاري في صحيحه(4/398-399رقم3166) من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-] فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى فضلاً عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء، وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً، وأنه كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة، نعوذ بالله من الخذلان.
3 – أن هذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعاً من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدر وخيانة وبغي وعدوان وإجرام آثم وترويع للمسلمين وغيرهم، وكل هذه قبائح منكرة يأباها ويبغضها الله ورسوله والمؤمنون.
ثانياً : إن المجلس إذ يبين تحريم هذا العمل الإجرامي في الشرع المطهر. فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا العمل، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه، وإنما تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه، وجرمه ، فلا يحتسب عمله على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة والمتمسكين بحبل الله المتين.
وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة، ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه، محذرة من مصاحبة أهله ، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205}وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}
وقول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
.
ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكشف ستر هؤلاء الفعلة المعتدين، وأن يمكن منهم لينفذ فيهم حكم شرعه المطهر، وأن يكفَ البأس عن هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته وجميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية[مجلة الدعوة العدد 1548بتاريخ 18/2/1417 هـ]
بيان هيئة كبار العلماء حول حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده محمد واله وصحبه .
أما بعد ..
فإنَّ مجلس هيئة كبار العلماء في جلسته الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الأربعاء 13/ 3/1424 هـ استعرض حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء يوم الاثنين 11/3/1424هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع واصابات لكثير من الناس من المسلمين وغيرهم . ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها وهى الدين والنفس والمال والعرض والعقل .
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الانفس المعصومة والانفس المعصومة في دين الإسلام اما ان تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام يقول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}
ويقول سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً …}
الآية قال مجاهد -رحمهُ اللهُ-: “فى الإثم”[رواه الطبري في تفسيره(6/202)].
وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.
ويقول النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة))