نظرة الأديان للانتحار..
قد تأثرت وتباينت وجهات النظر حول الانتحار بالموضوعات الوجودية العامة مثل الدين والشرف ومعنى الحياة. تعتبر الأديان الإبراهيمية تقليديًا أن الانتحار معصية لله ويرجع ذلك إلى الإيمان بقدسية الحياة.
تعريف الانتحار
الانتحار هو الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمداً في موت نفسه. تُرتكب جريمة الانتحار غالباً بسبب اليأس، والذي كثيراً ما يُعزى إلى اضطراب نفسي مثل الاكتئاب أو الهوس الاكتئابي أو الفصام أو إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات.
وغالبًا ما تلعب عوامل الإجهاد مثل الصعوبات المالية أو المشكلات في العلاقات الشخصية دوراً في ذلك. وقد أوردت بيانات لمنظمة الصحة العالمية بأن ٧٥% من حالات الانتحار تسجل ما بين متوسطي الدخل وسكان الدول الفقيرة.
وتشمل الجهود المبذولة لمنع الانتحار تقييد الوصول إلى الأسلحة النارية، وعلاج الأمراض النفسية وإساءة استعمال المخدرات، فضلاً عن تحسين التنمية الاقتصادية.
تختلف الطريقة الأكثر شيوعًا للانتحار حسب البلد، كما ترتبط جزئيًا بمدى توافر الوسائل. وتشمل الطرق الشائعة ما يلي: الشنق والتسمم بواسطة المبيدات الحشرية والأسلحة النارية. هناك ما بين ۸٠٠.٠٠٠ إلى مليون شخص تقريبًا يموتون كل عام عن طريق الانتحار، مما يجعله عاشر الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم. المعدلات أعلى في الرجال عنه في النساء، حيث أن الذكور أكثر عرضة لقتل أنفسهم من الإناث بمقدار ٣-٤ مرات. هناك ما يقدر بنحو من ١٠ إلى ٢٠ مليون محاولة انتحار فاشلة كل عام.
وهذه المحاولات أكثر شيوعًا بين الشباب والإناث.
وقد تأثرت وتباينت وجهات النظر حول الانتحار بالموضوعات الوجودية العامة مثل الدين والشرف ومعنى الحياة. تعتبر الأديان الإبراهيمية تقليديا أن الانتحار معصية لله ويرجع ذلك إلى الإيمان بقدسية الحياة. وخلال عهد الساموراي في اليابان، كانت طقوس السيبوكو تعتبر وسيلة محترمة للتكفير عن الفشل أو تعتبر كشكل من أشكال الاحتجاج. الستي، وهي ممارسة جنائزية هندية يجرمها القانون الآن، كانت تستلزم أن تقوم الأرملة بالتضحية بنفسها في المحرقة الجنائزية لزوجها، سواءً برغبة أو تحت ضغط من الأسرة والمجتمع. الانتحار ومحاولة الانتحار، في حين كانت جريمة يُعاقَب عليها جنائيًا في السابق، إلا أنها لم تعد كذلك في معظم البلدان الغربية. وفي المقابل، فهي لا تزال تمثل جريمة جنائية في معظم البلدان الإسلامية. في القرنين العشرين والحادي والعشرين، استُخدم الانتحار في شكل التضحية بالنفس كوسيلة للاعتراض واستُخدمت الهجمات الفدائية والتفجيرات الانتحارية كتكتيك عسكري أو إرهابي.
نظرة الأديان للانتحار
الانتحار في الإسلام معصية، يأثم فاعله، هو حرام اتفاقا، بأدلة من المنقول والمعقول، قال الله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم
. فالنفس ملك لله، والحياة هبه الله للإنسان، فليس له أن يستعجل الموت بإزهاق الروح؛ لأن ذلك تدخل فيما لا يملك. ويقوم على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر، والتسليم لأمر الله وقدره، والصبر وعدم الجزع، ولا اليأس من رحمة الله، وأن الله يجازي العباد في الدار الآخرة، كما أن مفهوم الحرية الشخصية؛ لا يتجاوز حدود العبودية لله رب العالمين. فالموت ليس خلاصا من الحياة، وهي لا تنتهي به، وعقوبة القاتل نفسه لا تتحقق إلا في الحياة الأخروية، إذ لا يمكن للناس معاقبة شخص ميت، كما أنه لا يعاقب أهل الميت بوزر لم يرتكبوه، وقاتل نفسه يتحمل وزر القتل، وما قد يترتب عليه من تعذيب نفسه، وإقلاق أسرته ومجتمعه، ولربما كانت وفاته سببا لتفويت حقوق والتزامات متعلقة بالآخرين. وفي الحديث: عن ثابت الضحاك قال: قال النبي ﷺ ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم
. قال ابن حجر: ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه
.
وفي الحديث: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ من قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه؛ فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا
.
والعذاب في الآخرة بمشيئة الله، فقد مرض رجل فجزع فقتل نفسه، وثبت فيه حديث: فقال رسول الله ﷺ
اللهم وليديه فاغفر
. قال النووي: أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة
. وهذا الحديث شرح للأحاديث الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار. وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي.
في معظم أشكال المسيحية، يُعتبر الانتحار خطيئة، ويقوم ذلك أساسًا على كتابات المفكرين المسيحيين المؤثرين في العصور الوسطى، مثل القديس أوغسطين والقديس توما الأكويني، ولكن لم يكن الانتحار يعتبر خطيئة في مجموعة قوانين جستنيان المسيحية للإمبراطورية البيزنطية، على سبيل المثال.
وفي المذهب الكاثوليكي، تقوم الحجة على أساس وصية «لا تقتل» (والتي تم تطبيقها بموجب العهد الجديد من قبل يسوع في إنجيل متى ١٩:١۸)، وكذلك فكرة أن الحياة هبة منحها الله لا ينبغي أن نرفضها، كما أن الانتحار يخالف «نواميس الكون»، وبالتالي يتعارض مع خطة الله للعالم أجمع.
ومع ذلك، يُعتقد أن المرض النفسي أو الخوف من المعاناة الشديدة يقلل من مسؤولية الشخص الذي يقوم بالانتحار المكتمل.
وتشمل الحجج المضادة ما يلي: أن الوصية السادسة يمكن ترجمتها على نحو أدق على أن معناها «عليك ألا تقتل»، وليست بالضرورة تنطبق على الذات؛ كما أن الله قد أعطى الإرادة الحرة للبشر؛ وكذلك فإن قتل الإنسان نفسه لا يُعد انتهاكًا لقوانين الله مثله مثل علاج الأمراض؛ كما أن هناك عدد من حالات الانتحار المسجلة في الكتاب المقدس لأتباع الله دون وجود إدانة أو تحذير.
وتركز اليهودية على أهمية تقييم هذه الحياة، وعلى هذا النحو، فإنها تعتبر الانتحار بمثابة إنكار لخير الله في العالم. ورغم هذا، وتحت الظروف القصوى عندما لا يبدو أن هناك أي خيار سوى إما أن يُقتل اليهودي أو يُغصب على خيانة دينه، فقد اتجه اليهود لارتكاب حالات انتحار فردية أو انتحار جماعي (راجع مسادا، والاضطهاد الفرنسي الأول لليهود، وقلعة يورك على سبيل الأمثلة)، وللتذكرة الكئيبة، هناك حتى صلاة في القداس اليهودي تخص عندما تكون السكين في الحلق، لأولئك الذين يموتون، لتقديس اسم الله
(راجع الاستشهاد). وقد حظيت هذه الأفعال بردود أفعال متفاوتة من قبل السلطات الدينية اليهودية، حيث اعتبرها البعض أمثلة للاستشهاد البطولي، بينما يذكر آخرون أنه كان من الخطأ لديهم أن يقتلوا أنفسهم ويحتسبوا ذلك استشهاد.
وفي الهندوسية، يُنظر إلى الانتحار عمومًا بعبوس ويُعتبر مصدرًا للخطيئة مثله كمثل من يقتل شخصًا آخر في المجتمع الهندوسي المعاصر. وتنص الكتب الهندوسية المقدسة على أن الشخص الذي ينتحر سوف يصبح جزءًا من عالم الأرواح، يتخبط في الأرض حتى الوقت الذي كان سيموت فيه لو لم يرتكب جريمة الانتحار.
ومع ذلك، تقبل الهندوسية أن للإنسان حق في إنهاء حياته من خلال ممارسة غير عنيفة تتمثل في الصوم حتى الموت، وتسمى برايوبافيسا.
ولكن تقتصر برايوبافيسا فقط على الأشخاص الذين لم يعد لديهم الرغبة أو الطموح، وليست عليهم مسؤوليات متبقية في هذه الحياة. كما يوجد في الديانة اليانية ممارسة مماثلة تُسمى سانسرا. أما طقس الساتي، أو التضحية بالنفس من قبل الأرامل، فقد كان سائدًا في المجتمع الهندوسي خلال العصور الوسطى.