تعريف التطرف والإرهاب وضبابية الاستخدام:
لم يكن التطرف مصطلحا معروفا ودارجا قديما كما هو متعارف عليه الآن، على الرغم من الاستخدام القليل له من بعض العلماء في الدلالة على مخالفة الشرعية والغلو فيه ومجاوزة الحد.
ومن ذلك ما ذكره ياقوت الحموي ((معجم البلدان)) (3/ 376)
وفي ملح الأخبار التي تكسع[1] بالاستغفار: أن بعض المتطرّفين قرأ قوله تعالى: الأكراد أشدّ كفرا ونفاقا، فقيل له: إنّ الآية الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا، فقال: إن الله عز وجل لم يسافر إلى شهرزور فينظر إلى ما هنالك من البلايا المخبّآت في الزوايا، وأنا أستغفر الله العظيم من ذلك وعلى ذلك.
تعريف التطرف لغة:
التطّرف: وهو الأخذ بأحد الطرفين والميل لهما: إما الطرف الأدنى أو الأقصى[2]، ومنه أطلقوه على الناحية وطائفة الشيء.
ومفهوم التطرف في العرف الدارج – في هذا الزمان -: الغلو في عقيدة أو فكرة أو مذهب أو سياسة.
وقد جاء هذا المعنى في ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) (2/ 1396)
التطرُّف: المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية، وهو أسلوب خطِر مدمِّر للفرد أو الجماعة “تبذل بعض الدول جهودًا مضنية للقضاء على التطرُّف الإرهابي.
وهنا لا بد من اشارة وزيادة على ما ورد: فهنالك دول تسعى لنشر التطرف في بلدان معينة لتحقيق اجنده ومصالح لها في محيطها!!
ونستطيع القول هاهنا أن لفظ التطرف في استخداماته مرادف للفظ الغلو في استخداماته
التطرف والتدين
وهنا ملحظ هام أيضا، ألا وهو: التفريق بين التطرف والتدين فكثير ممن لا يدركون معاني وحقائق الأشياء لا يفرقون بين الأمرين، لا يفرقون بين الغلو ومجاوزة الحد، وبين الالتزام والوقف عند الحد، فالتدين الذي هو الالتزام بأحكام الدين والسير على منهاجه والفهم الصحيح لنصوصه والتمسك بتعاليمه وقيمه وأخلاقه أمر مطلوب ومرغوب فيه، يعود بالخير والفلاح على أصحابه والمجتمع، بخلاف التطرف والغلو والذي يعود بالضُر والشر على أصحابهم ومجتمعاتهم.
تعريف الإرهاب
الإرهاب لغة: الإرهاب (بالكسر)؛ الإزعاج والإخافة، وأرهبته ورهبته واسترهبته: أزعجت نفسه بالإخافة[3]
واصطلاحاً[4]:
هو محل اختلاف وتباين الآراء ووجهات النظر، وذلك لاعتبارات تاريخية، ولاختلاف الأهداف والتوجهات وسياسات الدول ومصالحها، تلك التي أدت إلى الاختلاف والتباين على مفهوم المصطلح، فكثرت وتنوعت وتعددت التعريفات، فالبعض يركز في تعريف الإرهاب على “الأسلوب” أو “الطريقة”، فيرون أن الإرهاب ليس فلسفة ولا حركة، وإنما أسلوب أو طريقة لغرض تحقيق طموح سياسي لجماعة منعزلة ومحبطة، تدرك أن لا أمل لها في الوصول إلى ما تريده إلا عن طريق تخويف الأغلبية ومؤسساتها وعن طريق إشاعة الرعب والتضليل”، بينما يركز آخرون على الأهداف أو الوسائل أو الأسباب.
وقد عرف الارهاب بتعريفات عدة:
عرفه المجمع الفقهي الإسلامي بأنه: “العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: دينه ودمه وعقله وماله وعرضه”.
وقيل: هو مجموعة المظاهر والوسائل والأدوات التي تستخدم في أعمال العنف التي يبيحها ويتبناها الفكر الإرهابي لتحقيق مقاصده العدوانية.
لكن عند إمعان النظر في النصوص الشرعية، فإننا لا نجد لفظ الإرهاب بعينه، والذي يستخدم بالمعنى السلبي، وإنما يوجد أصله الثلاثي وما تصرف منه، وكذلك أيضا ما تصرف من أصله الرباعي.
فمن ذلك قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)
ومنه قوله تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ).
ومنه أيضا قوله تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)، وقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ).
ويمكننا ملاحظة أن استخدام مصطلح الإرهاب في الشرع اقتصر على الخوف أو التخويف بمعناه الإيجابي، أما الإرهاب في اصطلاحه المعاصر فلم يستخدمه الشرع.
وهذا لا يعني قصوراً في الشرع، بل على العكس من ذلك فقد استخدم الشرع الحنيف مصطلح الإفساد للدلالة على الأفعال والممارسات الكارثية والدموية التي تقترفها دول وشرذمة منحرفة بحق الإنسانية، والتي لا تميز بين دين أو عرق أو إقليم، إذ غاية الشرع من استخلاف الإنسان في الأرض عمارتها وغاية هؤلاء الإفساد والهلاك والتخريب، قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
ضبابية التعريف ومطاطية الاستخدام
بات مصطلح «الإرهاب» و «التطرف» من أكثر المصطلحات تداولاً منذ أن تم تفجير برجي مركز التجارة العالمية بمانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وذلك في يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001. حيث لم يكن هذا المصطلح من المصطلحات المتداولة بكثرة قبل هذا التاريخ، وبناءً على ذلك فقد منحت الولايات المتحدة لنفسها الحق بتدمير عدة دول عربية مسلمة بحجة أنها دول ترعى الإرهاب، ولكن على الرغم من ذلك لم تعرف الولايات المتحدة المصطلح، فما الإرهاب بالمفهوم الأمريكي الذي كان مبررًا لغزو وتدمير أي دولة؟
ومن الملاحظ أنه كان من صالح الدولة العظمى أن يكون مصطلح «الإرهاب» يكتنفه الكثير من الضبابية والمطاطية، وذلك من أجل تحقيق أهدافها الخاصة -أيًا ما كانت تلك الأهداف- فتضع يدها على مقدرات تلك الدولة، وتنهب موارد الدولة الأخرى، وتقوم بتقسيم تلك الجماعات المتدينة، وما إلى ذلك من أفعال كل هذا باسم مكافحة الإرهاب، الذي هو غير معروف ما هويته؟ ومن يمثله؟ ومن يدعمه؟ ومن ينمو تحت كنفه؟
ولكنها في الأول والأخير حاولت أمريكا عبر وسائلها الإعلامية -كلها- متضافرة أن تربط بين الإرهاب وبين الدين الإسلامي، من أجل تحقيق أهداف معينة، عندئذ تسارعت العديد من الدول الإسلامية والعديد من العلماء إلى نفي هذه التهم وتنقية روح الإسلام من الإرهاب، وقامت الكثير من الدول بتغير منهج التربية الإسلامية وأزالت الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجهاد، وياليت الأمر وقف عند هذا الحد، إلا أن بعض الدول أزالت حتى تلك الآيات التي تتحدث عن مكر اليهود ومحاربتهم لله سبحانه وتعالى، كل ذلك بحجة أنه لا يجب أن نثير البغضاء والكراهية بين الشعوب!! ولكن في المقابل لم نسمع أن الحكومة الصهيونية غيرت مناهجها الدراسية من أجل تحسين صورة المسلمين للشعب اليهودي، وذلك من أجل التعايش السلمي المزعوم.
بل على العكس تماما كانت الألة العسكرية هي من تتحدث بلغة أوضح وأصرح من تلك الشعارات.[5]
وخلاصة الكلام: أن الإرهاب هو اللفظ الوحيد الذي لا معنى له واضح، وهو اللفظ الأكثر تلاعبًا به وخصوصا في المعجم السياسي الغربي.
فأصبح من الضرورة بمكان ضبط الألفاظ والمصطلحات ضبطا لا يجعل منه أداة لأصحاب السياسات والأجندة تتلاعب بها كيفما شاءت وتفصل منه تُهما كيفما أرادت لتحقيق مصالحها ومكاسبها، رامية ورائها كل القيم والأخلاق.
الإرهاب بين اللغة والترجمة
وإذا تقرر ما سبق فان الترجمة المتداولة لكلمة الإرهاب فيها نظر، تقول غبولي منى في رسالتها الماجستير «إلا أن هناك بعض العلماء يشيرون إلى أن الرهبة في اللغة العربية تستعمل عادة للتعبير عن الخوف المشوب بالاحترام، وبالتالي فهي تختلف عن الإرهاب الذي يعني الخوف والفزع الناتجين عن تهديد قوة مادية أو طبيعية، وبالتالي فإن ترجمة كلمة (Terrorisme) الفرنسية إلى «إرهاب» هي ترجمة خاطئة لأن الخوف من القتل أو الخطف لا يقترنان عادة بالاحترام».
ثم تواصل وتقول «أما في القرآن الكريم، فلم ترد كلمة إرهاب بهذه الصيغة، بل وردت من خلال مشتقات عديدة في اثني عشر موضعًا، وتفيد في معناها الخوف والتحرز عمومًا. أما تفصيلاً فقد وردت مرة بمعنى إخافة عدو الله وعدو المؤمنين في الجهاد (وهذا الموضوع سنتحدث فيه لاحقًا)، وخمس مرات بمعنى مخافة الله وإجلاله، ومرة في وصف حال الناس عندما شاهدوا ما فعله السحرة، وخمس مرات في تسمية الرهبان»، انتهى.
الإفساد المصطلح الأدق وصفا
ومصطلح الإفساد أدق في توصيف أعمال هؤلاء المنحرفين من مصطلح الإرهاب، حيث مصطلح الإرهاب قد يحمل المعنى الإيجابي، كأن تخوف وترهب مريضاً من تناول طعام معين حيث يكون الإرهاب هنا محموداً؛ لأنه يحقق مصلحة هذا المريض، لذا فبعض هؤلاء لا يجدون في وصفهم بهذا المصطلح (الإرهاب) غضاضة بحجة أنهم ينفذون أمر الله تعالى بقوله: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، بخلاف الإفساد فلا يمكن أن يحمل معنى إيجابي وليس فيه مصلحة بل فيه الهلاك، لذلك كانت عقوبته من أشد العقوبات، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). قال الطبري في التفسير: وهذا بيان من الله عز ذكره عن حكم الفساد في الأرض الذي ذكره في قوله : {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض} أعلم عباده ما الذي يستحق المفسد في الأرض من العقوبة والنكال , فقال تبارك وتعالى: لا جزاء له في الدنيا إلا القتل والصلب وقطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض , خزيا لهم ; وأما في الآخرة إن لم يتب في الدنيا فعذاب عظيم
قلت: والآية صادقة في كل من عاث في الأرض فسادا وأهلك الحرث والنسل وقطع الطريق وروع الأمنين، من المسلمين ومن غير المسلمين قال الله تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} [البقرة: 205].
وقد رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة – واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري – عن أنس بن مالك: أن نفرا من عكل ثمانية، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها؟ ” فقالوا: بلى. فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم، فأدركوا، فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا.
وعند البخاري: قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله.
وروى مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك ; لأنهم سملوا أعين الرعاء.
معنى الغلو
الغُلُوُّ فِي اللُّغَةِ: مُجَاوَزَةُ الحَدِّ وَالقَدْرِ، وَالغَيْنُ وَاللَّامُ وَالحَرْفُ المُعْتَلُّ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعِ وَمُجَاوَزَةِ قَدْرٍ.
قال الجوهري في الصحاح: ((غلا في الأمر يغلو غلوا، أي جاوز فيه الحد)).
وقال الفيروزآبادي في القاموس: ((غلا غلاء فهو غالٍ وغَلِيّ ضد الرخص… وغلا في الأمر غلوا جاوز حدّه)).
وقال ابن منظور في اللسان: ((أصل الغلاء: الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء….. يقال: غاليت صداق المرأة أي أغليته. ومنه قول عمر رضي الله عنه: ((ألا لا تغالوا في صدقات النساء)) وفي رواية: ((لا تغالوا في صداق النساء)). أي لا تبالغوا في كثرة الصداق.
وقال الفيومي في المصباح المنير: ((وغلا في الدين غُلوا من باب قعد وتصلب وتشدد حتى جاوز الحد وفي التنزيل: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} وغالى في أمره مغالاة بالغ))
وَعَرَّفَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الاعْتِصَامِ (3/304)، وَابْنُ حَجَرٍ فِي ((الفَتْحِ)) (13/278) بِأَنَّهُ: ((المُبَالَغَةُ فِي الشَّيءِ وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ حَتَّى يَتَجَاوَزَ الحَدَّ)).
وَاصْطِلَاحًا: ((الغُلُوُّ: مُجَاوَزَةُ الحَدِّ بِأَنْ يُزَادَ فِي الشَّيءِ، فِي حَمْدِهِ أَوْ ذَمِّهِ، عَلَى مَا يَسْتَحِقُّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ))[6].
وعليه فحقيقة الغلو: هو: الزيادة ومجاوزة الحد الشرعي.[7]
كتبه المشرف العام لمنصة إنسان : الشيخ رائد صبري أبو علفة
[1] أي تتبع بالاستغفار
[2] «القاموس المحيط و» شرحه تاج العروس «و» لسان العرب «و» معجم مقاييس اللغة «, و» الصحاح «و» المصباح المنير «مادة (طرف).
[3] تاج العروس (2/ 541)
[4] مجلة البحوث الإسلامية (70/ 105)، نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام (ص: 13،16) مقال تحرير معنى الغلو والتطرف للدكتور محمد بني طه
[5] إشـكـالـيـة الإرهــاب وتـعـريف مـاهـيـته بقلم: د. زكريا خنجي
[6] ((اقْتِضَاء الصِّرَاط المُسْتَقِيم)) (1/289)
[7] انظر ((مَجْمُوع الفَتَاوَى)) (3/362)