الغلو في الدين آفة قديمة في جميع الأمم السابقة، وقد كانت هذه الآفة الخطيرة سببا لهلاكها كما قال ﷺ:
فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. من أجل ذلك جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية محذرة من هذه الآفة، ومبينة ما يترتب على الغلو من أضرار.
التحذير من الغلو في الدين:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله علية وسلم غداة العقبة وهو علي ناقته
إلقط لي حصى
. فلقطت له سبع حصيات هن حصى الحذف، فجعل ينفضهن في كفة و يقول: أمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين
.
أخي المسلم: الغلو في الدين آفة قديمة في جميع الأمم السابقة، وقد كانت هذه الآفة الخطيرة سببا لهلاكها كما قال صلي الله علية وسلم: فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين
. من أجل ذلك جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية محذرة من هذه الآفة، ومبينة ما يترتب على الغلو من أضرار.
قال تعالى: قل يا أهل لكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل
. وجاء في صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة: باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، لقوله تعالى
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق
. قال الحافظ ابن حجر: التعميق فهو بالمهمة وبتشديد الميم ثم قاف ومعنا التشديد في الأمر حتى يتجاوز الحد فيه
. وقال: وأما الغلو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد، وفيه معنى التعمق
.
وقال تعالي: وكذلك جعلنا كم أمة وسطا
. قال الإمام ابن الجوزى رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: وأصل ذلك أن خير الأشياء أوسطها، والغلو والتقصير مذموما، وذكر ابن جبر الطبري أنه من التوسط في الفعل، فإن المسلمين لم يقصروا في دينهم كاليهود، فإنهم قتلوا الأنبياء وبدلوا كتاب الله، ولم يغلوا كالنصارى، فإنهم زعموا أن عيسى ابن الله!!
ومن الأحاديث: فالأحاديث التي حذرت من الغلو ونهت عنه كثيرة، منها:
قوله صلي الله عليه وسلم: هلك المتنطعون
قالها ثلاثا. قال الإمام النووي رحمه الله في الشرح الحديث: المتنطعون
: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
وروى البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
«جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله علية وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا:
وأين نحن من النبي صلي الله علية وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.قال أحدهم:
أما أنا فإني أصلي الليل أبدا.وقال الأخر:
أنا أصوم الدهر ولا أفطر.وقال الأخر:
أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.فجاء رسول الله صلي الله علية وسلم إليهم فقال:
أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»
ومن مظاهر الغلو في هذا العصر:
- تكفير المجتمع على العموم، حتى وصل الأمر ببعضهم أنهم كفروا من لا يوافقهم على أرائهم!!.
- وهناك من يتوقف في الناس فلا يحكم عليهم بشيء حتى يتحقق من صحة عقيدتهم.
- وهناك من يحرم الصلاة في مساجد المسلمين، وبعضهم يقول:
لا نصلى إلا وراء من نعرف عقيدته
!! - الدعوة الي العنف والخروج علي المسلمين بالسلاح، وقتل الأبرياء وإثارة الفتن والقلاقل وعدم مراعاة حرمة دماء المسلمين.
- يزعم بعضهم إن جماعتهم الوحيدة المسلمة في العالم!!
- رفض إجماع الأمة، والطعن في أئمة الدين وانتقاص حقهم.
- التشدد في الفرعيات: وهذا يقع في كثير من الدعاة. وهو التزامهم التشدد في كل الأمور، وكأن الأحكام الشرعية عند هؤلاء أصبحت حكمين، الحرام والواجب، مع إن الأحكام الشرعية تنقسم إلي خمسة أقسام معروفة، والشريعة الغراء مبنية علي التيسير والتخفيف ورفع الحرب. قال تعالى:
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
. ويا ليت هؤلاء أعذروا من خالفهم في هذه المسائل الفرعية، وأحسنوا الظن بهم ووسعوا صدورهم لقبول الاختلاف في الرأي والاجتهاد، ليتهم سلكوا هذا المسلك، لهان الخطب حينئذ، ولكن الواحد منهم يراى ما يتبناه من أمور اجتهادية بمنزلة وحي السماء، وكل مخالف لها هالك أو ضال أو زائغ أو مبدع أو متبع لهواه… الخ.
أسباب الغلو
والغلو في الدين له عدة أسباب، منها:
أولاً: قله التفقه في الدين
تجرأ بعض الناس علي إصدار الأحكام خاصة في الأمر العقدية من خلال نظرتهم غير المتعمقة في بعض الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية دون علم ببقية النصوص المتصلة بمناط الاستشهاد، أو أخذهم بالمتشابهات وترك المحكمات، أو بالجزئيات مع إغفال القواعد الكلية، مع أن الواجب على كل من يتصدر للفتوى خاصة في الناحية العقدية أن يكون محيطا بالتأويل وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، و الأساليب اللغوية المختلفة مما يجعلنا نوصي لطلب العلم، ونؤكد على أهمية الحرص علي التفقه في الدين والالتزام للتخصص الدقيق وقت الحاجة الضرورية فالعامل علي غير علم قد يفسد أكثر مما يصلح، والأخذ بظواهر النصوص في كل حال كان من أهم الأسباب التي أوجدت الفرقة بين كثير من المسلمين
وفي ضوء ما سبق ندرك لماذا شدد الفقها علي التأني في الفتوى والتمهل في الحكم، فقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو من هو، لو عرضت علية مسألة يجمع لها أهل بدر. فليتقى الله أقوام في هذا العصر يتجرءون علي الفتوى: وتسورون أسوار النصوص بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. حتى يقول قائلهم: إن الأفغان أشد خطرا من الشيوعيين لأن الأفغان أحناف وهم يقرءون خلف الأمام في الصلاة
!! ألم يعلم هؤلاء إن صحابة رسول صلي الله علية وسلم اختلفوا فيما بينهم في أمور ومسائل، ولم يحل ذلك بينهم وبين التحاب والتناصر وجهاد الخصوم الحقيقيين للإسلام والمسلمين معا؟!.
ثانياً: الاستعلاء علي الغير بالعبادة
قد يتخذ بعض الناس من عبادته سببا للاستعلاء علي غيرة، وينظر إليهم نظرة فيها شيء من السخرية والتحقير، ظننا منه أن العلماء تهاونوا في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يدرى المسكين أن جمهرة العلماء قرروا أن السكوت على المنكر مخافة الوقوع في منكر أكبر منه واجب تطبيقا لقاعدة: ارتكاب أخف الضررين واجب.
قال الشيخ بن باز رحمة الله تعالى:
«شاع في هذا العصر إن كثيرا من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير من أخواتهم الدعاة المشهورين ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين يفعلون ذلك سرا في مجالسهم، وربما، سجلوه في أشرطة تنشر علي الناس، وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به رسوله من جهات عديدة. منها ما يلي:
- إنه تعد على خاصة المسلمين وهم الدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وأرشادهم للطريق المستقيم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم.
- إنه تفريق لوحدة المسلمين، وتمزيق لصفوفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة.
- إن هذا العمل فيه مصلحة لأعداء الإسلام الذين لاهم لهم إلا الوقيعة بين علماء الأمة.
- إن فيه إفسادا لقلوب العامة والخاصة وترويجا لأكاذيب والإشاعات الباطلة كما إن فيه سببا كبيرا للغيبة والنميمة، وفتح أبواب الشر لضعاف النفوس.
- إن معظم ما قيل لا حقيقة له، وبعض الظن إثم، وعلى المؤمن أن يحمل كلام أخيه على محمل حسن. يقول بعض السلف:
لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا
. - والمسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الاجتهاد، لا يؤاخذ عليها ما دام المتحدث فيها آهلا للاجتهاد، والأجدر بمن يجادله أن يجادله بالتي هي أحسن حرصا على الوصول إلى الحق من أقرب طريق، ولا داعي للتهجم والتجريح والشطط في القول، الذي ربما يدعو لرد الحق والأعراض عنه. وأخيرا نصح الشيخ ابن باز هؤلاء بالرجوع إلي دعاة الحق، وطلبة العلم، إذا أشكل عليهم أمر ليبينوا لهم حقيقته».
ثالثاً: فقدان الثقة في بعض العلماء
لقد كان لبعض العلماء موقف من الحكام والحكم يتسم بالسلبية، ومهما كانت الأسباب التي كانت وراء هذه السلبية: فقد كان لها رد فعل علي الشباب أدى إلى عدم الثقة في أقوالهم فأخذ بعض الشباب يتجه إلى القرآن والسنة ليستقى منهما الأحكام مع عدم حصولهم علي المؤهلات التي تؤهلهم للاجتهاد، فوقعوا في مثل هذه الأخطاء. وعلاج هذا الخلل يتم بسد تلك الفجوة، ومد جسور المودة بين الشباب المتدين والعلماء العاملين.
رابعاً: الاقتصار على القراءة في كتب معينة دون غيرها
مما يؤدى ألي التعصب الذي يعمى ويصم، مع أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.. فيجيب على المسلم أن يقرأ لجميع علماء الأمة حتى يستبين له الرأي و الرأي الأخر،ثم يتبع الرأي الذي يشهد له الدليل، هذا هو الأنصاف.
خامساً: منع حرية التدين
منع حرية التدين، من الأسباب الرئيسية في انتشار الغلو والتطرف، لأن الناس فيهم تدين بالفطرة، حتى الفاسق منهم لا يرضى المساس بحرمة الدين. إن هذا المنع يتخذ طرقا ووسائل مختلفة، فاستعمال وسائل الإرهاب المختلفة والضغوط النفسية علي الشباب المسلم، من أكبر أسباب انتشار الغلو، إن الغلو يعشش وينمو في مثل هذه الأجواء «المشحونة» ومن تتبع نشأة بعض الفرق المغالية في هذا العصر يعلم ذلك.
إن الفكر لا تقاوم إلا بالفكرة، واستخدام العنف وحده في مقاومتها قد لا يزيدها إلا توسعا، ولا يزيد أصحابها إلا إصرارا عليها. إنما تعالج بالإقناع والبيان إقامة الحجة وإزاحة الشبهات.
سادساً: اتباع الهوى
فاتباع الهوى يصد عن الحق.. ويعمى ويصم.. قال تعالى: أفرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقبله وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون
. قال عكرمة: أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه، فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها
. وقال الحسن بن الفضل: في هذه الآية تقدم وتأخير، مجازة: أفرأيت من اتخذ هواه إلهه
. وقال الشعبي: إنما سمى الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه في النار
. وقال ابن عباس: ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه، قال تعالى:
واتبع هواه وكان أمره فرطا
.
وقال تعالى: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله
.
وقد ذم النبي صلي الله عليه وسلم اتباع في قوله: ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فالمهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، والمنجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، والعد في الراضا والغضب
.
وقال سهل بن عبد اله: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك
.
ولابن الجوزي كتاب في «ذم الهوى» أفاد فيه وأجاد.
وبالجملة: ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى!
وفي الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
.
هذه بعض أسباب الغلو في الدين.
سابعاً: ذم التفريط
واعلم أن الإسلام كما ذم الغلو، فقد ذم التفريط وإضاعة الفروض، وإهدار السنن باسم «الدين يسر»!!
فيسر الإسلام لا يعنى التفريط في أوامره، وترك حدوده الله واقتحام محارمه. لقد زين الشيطان للناس اليوم أن المحافظة على أداء الصلوات.. والدعوة إلى تحكيم الشريعة، وإلزام المرأة بالحجاب تزمت وتطرف وتضييق!! وان مخالفة أحكام الله، والعرى، وترك الصلوات، والتعامل بالربا يسر ورفق!!… وضاع الشيطان العقول على هذا الانحراف واتبعوه!!
قال ابن القيم: فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة. وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين
.
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
الكاتب: غير معروف