«جماعة الدعوة والهجرة» أو «جماعة التكفير والهجرة» كما سماها الإعلام أو «جماعة المسلمين» كما سمت نفسها هي جماعة نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر وبعد إطلاق سراح أفرادها تبلورت أفكارها وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة، اعتبرت جماعة الدعوة والهجرة جماعة غالية أحيت فكر الخوارج وأدبياتهم بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق لعدم حكمهم بشرع الله وتكفر المحكومين لرضاهم بهم وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام، كما أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير الجماعة ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية – يقصد بها المساجد تحت حكم العلمانيون – ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين بالإضافة إلى إشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام.
النشأة
تبلورت أفكار ومبادئ جماعة التكفير والهجرة في السجون المصرية وخاصة بعد اعتقالات سنة ١٩٦٥م ولقد رأى المتدينون المسلمون داخل السجون من ألوان العذاب ما تقشعر من ذكره الأبدان وسقط الكثير منهم أمامهم بسبب التعذيب دون أن يعبأ بهم أحد في هذا الجو الرهيب ولد الغلو ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها. ففي سنة ١٩٦٧م طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبد الناصر فانقسم المعتقلون إلى فئات: فئة سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة وهؤلاء كان منهم العلماء وثبت أنهم طابور خامس داخل الحركة الإسلامية وثمة نوع آخر ليسوا عملاء بالمعنى وإنما هم رجال سياسة التحقوا بالدعوة بغية الحصول على مغانم كبيرة.
أما جمهور الدعاة المعتقلين فقد لجأوا إلى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا باعتبار أنهم في حالة إكراه. بينما رفضت فئة قليلة من الشباب موقف السلطة وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام ومن لم يكفرهم فهو كافر والمجتمع بأفراده كفار لأنهم موالون للحكام وبالتالي فلا ينفعهم صوم ولا صلاة. وكان إمام هذه الفئة ومهندس أفكارها الشيخ علي إسماعيل.
أعلام جماعة المسلمين
ومن أبرز الشخصيات هذه الجماعة:
- الشيخ علي إسماعيل: كان إمام هذه الفئة من الشباب داخل المعتقل وهو أحد خريجي الأزهر وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل أحد الستة الذين تم إعدامهم مع سيد قطب وقد صاغ الشيخ علي مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترتين: المكية والمدنية متأثراً في ذلك بأفكار الخوارج إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.
- ماهر عبد العزيز زناتي (أبو عبد الله): ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبه في قيادة الجماعة بمصر وكان يشغل منصب المسؤول الإعلامي للجماعة أعدم مع شكري في قضية محمد حسين الذهبي رقم ٦ لسنة ١٩٧٧م. وله كتاب الهجرة.
- شكري أحمد مصطفى (أبو سعد): أحد الذين اعتقلوا عام ١٩٦٥م وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرين عاماً. تولى قيادة الجماعة داخل السجن بعد أن تبرأ من أفكارها الشيخ علي عبده إسماعيل. في عام ١٩٧١م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته. ولذلك تمت مبايعته أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي. في سبتمبر ١٩٧٣٣م أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة أبي قرقاص بمحافظة المنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض تطبيقاً لمفاهيمهم الفكرية حول الهجرة. في ٢٦ أكتوبر ١٩٧٣م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم ٦١۸ لسنة ٧٣ أمن دولة عليا.
وفي ٢١ أبريل ١٩٧٤م عقب حرب أكتوبر ١٩٧٣م صدر قرار جمهوري بالعفو عن مصطفى شكري وجماعته إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة وإعادة تنظيم صفوفها وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة. هيأ شكري مصطفى لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة وبذلك عزلهم عن المجتمع إذ أصبح العضو يعتمد على الجماعة في كل احتياجاته ومن ينحرف من الأعضاء يتعرض لعقاب بدني وإذا ترك العضو الجماعة اعتبِر كافراً حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافراً ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسدياً.
رغم أن شكري مصطفى كان مستبداً في قراراته إلا أن أتباعه كانوا يطيعونه طاعة عمياء بمقتضى عقد البيعة الذي أخذ عليهم في بداية انتسابهم للجماعة. جوبهت هذه الجماعة بقوة من قبل السلطات المصرية وبخاصة بعد مقتل الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق وبعد مواجهات شديدة بين أعضاء الجماعة والسلطات المصرية تم القبض على المئات من أفراد الجماعة وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم ٦ لسنة ١٩٧٧م التي حكمت بإعدام خمسة من قادات الجماعة على رأسهم شكري مصطفى وماهر عبد العزيز بكري وأحكام بالسجن متفاوتة على باقي أفراد الجماعة. في ٣٠ مارس ١٩٧۸م صبيحة زيارة السادات للقدس تم تنفيذ حكم الإعدام في شكري مصطفى وإخوانه.
بعد الضربات القاسية التي تلقتها الجماعة اتخذت طابع السرية في العمل الأمر الذي حافظت به الجماعة على وجودها حتى الآن ولكنه وجود غير مؤثر ولا ملحوظ لشدة مواجهة تيار الصحوة الإسلامية من أصحاب العقيدة والمنهج السلفي لهم بالحوار والمناظرات سواء كان داخل السجون والمعتقلات أم خارجها مما دفع الكثير منهم إلى العودة إلى رشده والتبرؤ من الجماعة.
نظرية الجماعة
يعتبر التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة. فهم يكفرون كل من أرتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم. أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين. وكل من أخذ بأقوال الأئمة أو بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر.
من نظرياتهم أن العصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين. وقول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين.
أما الهجرة فهي العنصر الثاني في فكر الجماعة ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية. والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقة – برأيهم – كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية. ويجب على المسلمين في هذه المرحلة الحالية من عهد الاستضعاف الإسلامي أن يمارسوا المفاصلة الشعورية لتقوية ولائهم للإسلام من خلال جماعة المسلمين ـ التكفير والهجرة ـ وفي الوقت ذاته عليهم أن يكفوا عن الجهاد حتى تكتسب القوة الكافية. ولا قيمة عندهم للتاريخ الإسلامي لأن التاريخ هو أحسن القصص الوارد في القرآن الكريم فقط.
لا قيمة أيضاً لأقوال العلماء المحققين وأمهات كتب التفسير والعقائد لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث ـ بزعمهم ـ مرتدون عن الإسلام. قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذي اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته. دعوا إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث إنا أمة أمية…
فدعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار. وأطلقوا أن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة.
قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار إلا أربعة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي وقباء والمسجد الأقصى ولا يصلون فيها أيضاً إلا إذا كان الإمام منهم. ويزعمون أن أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق عل يد محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور الإسلام على جميع الأديان وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد أن تدمّر الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة كالصواريخ والطائرات وغيرها ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب.
ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الإمامة والاجتهاد المطلق وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفاً وخلفاً. وأهم كتاب كشف عن أسرار دعوتهم وعقيدتهم هو «ذكريات مع جماعة المسلمين التكفير والهجرة» لأحد أعضاء الجماعة عبد الرحمن أبو الخير الذي تركهم فيما بعد.
الجذور الفكرية والعقائدية
إن قضية تكفير المسلم قديمة ولها جذورها في تاريخ الفكر الإسلامي منذ عهد الخوارج. وقد تركت آثاراً علمية وعملية لعدة أجيال. وقد استيقظت هذه الظاهرة لأسباب عدة ذكرها العلماء ويمكن إجمالها فيما يلي:
- انتشار الفساد والفسق والإلحاد في معظم المجتمعات الإسلامية دونما محاسبة من أحد لا من قبل الحكام ولا من المجتمعات الإسلامية المسحوقة تحت أقدام الطغاة والظالمين.
- محاربة الحركات الإسلامية الإصلاحية من قبل حكام المسلمين وامتلاء السجون بدعاة الإسلام واستخدام أقسى أنواع التعذيب مع التلفظ بألفاظ الكفر من قبل المعذبين والسجانين.
- ظهور وانتشار بعض الكتب الإسلامية التي ألفت في هذه الظروف القاسية وكانت تحمل بذور هذا الفكر واحتضان هذا الفكر من هذه الجماعة – التكفير والهجرة – وطبعه بطابع الغلو والعنف.
- ضعف البصيرة بحقيقية الدين والاتجاه الظاهري في فهم النصوص والإسراف في التحريم والتباس المفاهيم وتميع عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة لدى بعض قادة الحركة الإسلامية بالإضافة إلى إتباع المتشابهات وترك المحكمات وضعف المعرفة بالتاريخ والواقع وسنن الكون والحياة ومنهج أهل السنة والجماعة.
التواجد
انتشرت هذه الجماعة في معظم محافظات مصر وفي منطقة الصعيد على الخصوص ولها وجود في بعض الدول العربية مثل اليمن والأردن والجزائر.
الكاتب: غير معروف